يقتضي الوضع إلقاء بعض الضوء على الإنتاج الأمريكي، وخاصة من النفط الصخري الذي يُثار هذه الأيام كفزّاعة أمام الأوبك.
أرجعت مصادر في صناعة النفط العالمية انخفاض أسعار برميل النفط، يوم الثلاثاء 14 نوفمبر ، جزئياً إلى ارتفاع إنتاج النفط الأمريكي بأكثر من 14% منذ منتصف 2016؛ ليبلغ مستوى قياسياً قدره 9.62 ملايين برميل يومياً.
وكانت الحكومة الأمريكية قد ذكرت، يوم الإثنين 13 نوفمبر، إن إنتاج النفط الصخري من المنتظر أن يزيد للشهر الثاني عشر على التوالي، خلال ديسمبر المقبل، بمقدار 80 ألف برميل ليبلغ 6.17 ملايين برميل يومياً.
آبار النفط الصخري، وعلى خلاف النفط التقليدي، تُعدُّ قصيرة العمر للغاية. ففي بعض مناطق الإنتاج في الولايات المتحدة، يتدهور معدل إنتاج البئر الذي يبدأ بضخ 1000 برميل في اليوم إلى نحو 280 برميلاً في اليوم فقط، مع بداية العام الثاني للضخ، أي يحدث انخفاض في كمية الإنتاج بنسبة 72%.
والواقع أن قضية زيادة الإنتاج الأمريكي، وبالذات من النفط الصخري، باتت تحتل أهمية أكبر بكثير مما تمثله في الواقع لتصير بمثابة فزّاعة أمام جهود الأوبك ومُصدري النفط الآخرين في تحقيق توازن بين العرض والطلب في الأسواق.
ومن الملاحظ أنه لا يُعلَن عن هذه الزيادات في الإنتاج بكثافة سواء من قبل الجهات الأمريكية، أو وكالة الطاقة الدولية التي تضم كبار مستهلكي النفط في العالم، إلا قبيل كل اجتماع ينتظر فيه تقييد الإنتاج للعمل على توازن الأسواق.
وفي هذا الإطار تأتي الأخبار والتوقعات الأخيرة قبيل اجتماع الأوبك والمنتجين خارجها المقرر نهاية الشهر الجاري، ومن المتوقع أن ينظر هذا الاجتماع في أمر تمديد تقليص الإنتاج بمقدار 1.8 مليون برميل يومياً إلى ما بعد فترة انتهاء أجله الحالي نهاية مارس المقبل.
وكانت بعض التصريحات قد ذكرت في السابق أن القرار بشأن تمديد الخفض ربما يتم تمديده إلى وقت خلال بداية العام القادم، إلا أن تصريحات وزير الطاقة في الإمارات مؤخراً بأنه لا يرى حاجة لتأجيل قرار تمديد خفض الإنتاج إلى ما بعد الاجتماع الذي سيُعقَد في فيينا نهاية هذا الشهر، وإبداء وزير النفط في عمان (غير العضو في الأوبك ولكن الشريكة في خفض الإنتاج) ثقته في أنه سيكون هناك اتفاق نهاية هذا الشهر يدعم من فرص تحقق ذلك التمديد.
وأيا كان الأمر فيقتضي الوضع إلقاء بعض الضوء على الإنتاج الأمريكي، وخاصة من النفط الصخري الذي يُثار هذه الأيام كفزّاعة أمام الأوبك، لمحاولة فهم دوره دون تهوين أو تهويل من آثاره.
وبداية ينبغي الإقرار بأن النفط الصخري الأمريكي دون أدنى شك يعد مورداً مهماً، فقد ساعد على زيادة الاحتياطي وسد جزء مهم من الاحتياجات، إلا أن الولايات المتحدة ما زالت رغم ذلك مستورداً كبيراً للنفط الخام ومنتجاته.
وتشير البيانات الأمريكية ذاتها إلى أن البلاد ما زالت ثاني أكبر مستورد للخام والمنتجات في العالم، حيث بلغت الواردات الصافية نحو 4.5 مليون برميل يومياً في المتوسط خلال العام الحالي، بل ومن المنتظر أن تزيد عن ذلك لأن الواردات كانت قد تأثرت لعدة أسابيع بموسم الأعاصير.
وعادة ما لا يتم في هذا المقام الإشارة إلى أن هناك سقفاً للإنتاج من المقدر أن تبلغه الولايات المتحدة قريباً. إذ تؤكد العديد من المصادر أن إنتاج النفط الصخري سيبلغ الذروة في وقت ما بين عامي 2020 و2023، ثم يبدأ بعد ذلك في الانخفاض تدريجياً، مما يفتح المجال أمام بلدان الأوبك لتغطية أغلب النمو في الطلب العالمي على النفط بعد التاريخ المذكور.
ومن هنا يمكن فهم التصريحات الأخيرة لولي العهد السعودي التي عبرّ فيها عن اعتقاده بأن الطلب على نفط الأوبك سيشهد ارتفاعاً ملموساً بعد عام 2030، ويمكن الاستنتاج بأنه مع نجاح الأوبك وحلفائها في تحقيق توازن في الأسواق، فقد تستقر الأسعار عند مستوى مرتفع نسبياً، ومن المنتظر ارتفاع هذه الأسعار بعد عام 2025، خاصة مع زيادة الطلب في الدول الآسيوية الكبيرة. التأثير الواضح للإنتاج الأمريكي إذاً يُقدَّر بأقل من عقد من الزمن وفقاً للتقديرات المتاحة لدى أقطاب الصناعة حالياً.
من المهم أيضاً الإشارة إلى أن آبار النفط الصخري، وعلى خلاف النفط التقليدي، تعدُّ قصيرة العمر للغاية، ففي بعض مناطق الإنتاج في الولايات المتحدة، يتدهور معدل إنتاج البئر الذي يبدأ بضخ 1000 برميل في اليوم إلى نحو 280 برميلاً في اليوم فقط مع بداية العام الثاني للضخ، أي يحدث انخفاض في كمية الإنتاج بنسبة 72%، ومع بداية العام الثالث تكون نصف احتياطيات هذا البئر قد تم استنزافها، لينخفض الإنتاج إلى مجرد تقاطر هزيل للنفط.
ولكي يعمل المنتجون على توليد عائد ثابت أو متزايد فعليهم حفر آبار جديدة باستمرار، حيث إن آبارهم القائمة سوف يمتد أجلها إلى أقل من نصف العمر القياسي السائد بالصناعة. وتشير مصادر الصناعة إلى أن إنتاج النفط الصخري مماثل إلى حد كبير لعمل المناجم وليس إنتاج النفط التقليدي.
فيما يتعلق بقضية وضع النفط الصخري لسقف ناعم على أسعار النفط، هناك نقطة تغيب عن أغلب من يتبنون هذا الرأي، إذ إنهم يتحدثون عن التكلفة المتوسطة، بينما الدور الذي سيلعبه النفط الصخري كموازن للسوق ستحدده التكلفة الحَديّة، وذلك لوجود تفاوت واسع للتكلفة.
والفكرة الرئيسية هنا مع هذا التفاوت، فلن يدخل في مرحلة الإنتاج سوى الحقول التي يمكنها تحقيق ربحية للمنتجين، وبالتالي فكلما ارتفعت الأسعار في الأسواق دخل عدد أكبر من الحقول في حيز الإنتاج، وبذلك يلعب النفط الصخري دوراً في لجم اتجاه أسعار النفط لأعلى، كما أنه كلما هبطت الأسعار خرج من حيز الإنتاج عدد من الحقول، مما يضع أيضاً قاعا لأي انخفاض للأسعار.
والاستناد للتكلفة المتوسطة لا يعكس الواقع، فإذا كان قد تم تقدير التكلفة المتوسطة هذا العام بنحو 50 دولاراً للبرميل، فمع استنزاف الحقول الأقل تكلفة بوتيرة أسرع ستزداد هذه التكلفة المتوسطة بمرور الوقت؛ بحيث تكون هناك حاجة باستمرار لأسعار أعلى حتى يتسنى إنتاج نفس الكمية عاماً بعد آخر.
كما أن المتوقع أن تزيد عناصر التكلفة قريباً مع الارتفاع في أسعار الفائدة الأمريكية. فمن بين الأمور التي شجعت صناعة النفط الصخري، خاصة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، الانخفاض التاريخي في أسعار الفائدة وهو أمر بدأ في التغير.
ومع المزيد من الارتفاع في عناصر التكلفة ستتطلب الصناعة أسعاراً أعلى للنفط في السوق العالمي مقارنة بالسابق.
الخلاصة إذاً، أن استخدام الإنتاج الأمريكي وخاصة من النفط الصخري كفزّاعة أمام جهود الأوبك وحلفائها أمر يمكن أن يثبت بمرور الوقت أنه مجرد خيال مآتة. هذا بالطبع إذا لم يحدث اختراق تكنولوجي كبير وسريع يقلّل من عناصر تكلفة الإنتاج، أو حدوث اختراق تكنولوجي قريب يسمح باستبدال النفط بموارد أخرى عملية واقتصادية للطاقة، خاصة في قطاع النقل. وكلا الأمرين غير منتظر في المدى المنظور.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة