اتفقت منظمة الأوبك وبعض المنتجين خارج المنظمة (ومن أهمهم روسيا أكبر منتج عالمي حاليا) يوم 25 مايو الماضي على تمديد العمل باتفاق خفض إنتاجهم النفطي بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا حتى نهاية شهر مارس المقبل، من أجل العمل على رفع الأسعار. وعلى الرغم من ذلك
اتفقت منظمة الأوبك وبعض المنتجين خارج المنظمة (ومن أهمهم روسيا أكبر منتج عالمي حاليا) يوم 25 مايو الماضي على تمديد العمل باتفاق خفض إنتاجهم النفطي بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا حتى نهاية شهر مارس المقبل، من أجل العمل على رفع الأسعار. وعلى الرغم من ذلك اتجهت الأسعار نحو الهبوط لتواصل مسلسل هبوط كانت قد بدأته منذ فترة من الوقت. وهناك عدد من الأسباب التي يمكن أن يعزى لها الانخفاض، خاصة خلال الأسبوع الماضي، مثل انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس حول التغير المناخي. إلا أنه ربما يكون من أكثر الأسباب موضوعية ترافق هذا الانخفاض مع زيادة منصات الحفر لإنتاج النفط في الولايات المتحدة. حيث ارتفع عدد هذه المنصات على مدى خمسة شهور متصلة ليبلغ في نهاية الأسبوع الماضي 733 منصة، وهو ما يزيد على ضعف عددها منذ عام مضى. وبات بعض المحللين يرون أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام والمكثفات قد يسجل رقما قياسيا يبلغ 10 ملايين برميل يوميا في وقت ما خلال هذا العام، وهو مستوى من الإنتاج لم يتحقق منذ نوفمبر عام 1970.
وهناك الكثير من الأمور التي يجب توضيحها بشأن العلاقة بين إنتاج النفط الصخري والأسعار التي تسود في الأسواق.
ربما يأتي على رأس هذه الأمور التفاوت الكبير في تكلفة إنتاج النفط الصخري؛ حيث يؤدي هذا التفاوت إلى عدم القيام بالإنتاج سوى من الحقول التي يمكنها تحقيق ربحية للمنتجين، ومن ثم فكلما ارتفعت الأسعار في الأسواق دخل عدد أكبر من الحقول في حيز الإنتاج. وتعد هذه المرونة من أكثر الآثار إيجابية بالنسبة للدول المستهلكة الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة؛ إذ إنه بمجرد انخفاض أسعار النفط عن التكلفة الجارية، يمكن تعليق إنتاج النفط الصخري بسرعة، ثم يتم استئنافه مجددا حينما تتخطى الأسعار عتبة محددة. وهذا التوسع السريع في الإنتاج يعمل نظريا على وضع سقف ناعم على أسعار النفط ويساعد على ضمان أن الأسعار لن تشتط مرة أخرى، طالما أن التقلبات في الطلب تدريجية ولا تتجاوز حجم الاحتياطيات الصخرية المستعدة للتحول بسرعة نحو الإنتاج. لذلك يرى البعض أنه بات من المحتمل التغلب على الدورات الطويلة الأجل التقليدية من الازدهار والركود التي ميزت أسواق النفط في الماضي.
بمجرد انخفاض أسعار النفط عن التكلفة الجارية، يمكن تعليق إنتاج النفط الصخري بسرعة، ثم يتم استئنافه مجددا حينما تتخطى الأسعار عتبة محددة
ويلعب النفط الصخري من ثم دورا في لجم اتجاه أسعار النفط لأعلى بزيادة دخول حقول جديدة لحيز الإنتاج، والعكس بالعكس؛ إذ إنه كلما هبطت الأسعار خرج من حيز الإنتاج عدد من الحقول ما يضع أيضا قاعا لأي انخفاض للأسعار. وهنا يتحقق ما أطلق عليه بعض الاقتصاديين في القرن التاسع عشر "الريع التفاضلي". فمالك حقل النفط الصخري يصبح وضعه مماثلا لوضع مالك الأرض آنذاك، حيث إن الأراضي الأكثر خصوبة كانت هي فقط التي تحقق أرباحا في البداية، ولكن مع اشتداد الحاجة لمزيد من الإنتاج الزراعي بتأثير ارتفاع أسعار المحاصيل، تدخل إلى حيز الإنتاج الأراضي الأقل جودة فالأقل جودة، وهكذا يحقق ملاك الأراضي الأكثر خصوبة ريعا مكافأة لخصوبة أراضيهم. وهنا نشير فقط إلى أنه يبدو أن العدد الأكبر من آبار النفط الصخري في الولايات المتحدة ينتج بتكلفة تزيد على 50 دولارا على الأقل، وهو ما يشير إليه خروج عدد أكبر من منصات الحفر مع الانهيار في أسعار النفط لأقل من 50 دولارا للبرميل، وعودتها مع زيادة السعر على 50 دولارا. ويصبح هذا السعر إذًا هو المحدد لنقطة التوازن المحتملة في الأسواق.
ولكن هناك قوتين متصارعتين أيضا تحددان إمكانية التوسع في الإنتاج من النفط الصخري. أولاهما الاختراقات التكنولوجية التي يمكنها تخفيض تكلفة الإنتاج. إذ إن بعض الحقول في ولاية داكوتا الشمالية أمكن خفض تكلفة الإنتاج فيها لما بين العشرين والثلاثين دولارا. ومع المزيد من التطور التكنولوجي ربما يزيد الإنتاج من ولايات أمريكية أخرى، وربما أيضا أماكن أخرى في العالم.
أما القوة الأخرى فهي اعتماد تزايد إنتاج النفط الصخري الأمريكي (الكثيف رأس المال) على انخفاض تكلفة التمويل. إذ بعد تفجر الأزمة المالية والاقتصادية العالمية في عام 2008، أدت السياسة النقدية لتوفر رأس المال الرخيص لتمويل شركات إنتاج النفط الصخري. ولكن مع العودة التدريجية إلى سياسة نقدية أكثر اعتيادا، ستصبح البنوك أكثر حذرا بشأن القدرة المالية لهذه الشركات، وسيتقلص توفير رأس المال الرخيص. وبالطبع يهدد ذلك القدرة المالية لبعض، بل ربما الكثير، من الشركات العاملة في مجال النفط الصخري، وقد لا تتمكن من تحقيق الأرباح التي كانت تحققها، وتخرج من مجال الإنتاج.
ومع الوضع في الاعتبار جميع هذه الأمور المتعلقة بالنفط الصخري وإمكانية تأثيره على الأسعار، يجب أيضا النظر في الجانب الآخر المتمثل في البلدان المصدرة. وهنا تأتي أهمية التصريحات التي أدلى بها وزير النفط السعودي يوم السبت الماضي، أثناء مباحثات له في روسيا، من أنه قد تكون هناك حاجة للقيام بتخفيضات أخرى في إنتاج النفط مستقبلا بعد تقييم منظمة الأوبك ومنتجين كبار آخرين لوضع السوق خلال شهر يوليو القادم. وكذا إشارته إلى النية في استمرار التعاون بين الأوبك وغيرها من المنتجين بعد انتهاء أجل العمل بالاتفاق الراهن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة