قديما قيل إن الفتنة إذا أقبلت لم يرَها إلا الحكماء وإذا أدبرت رآها كل أحد!
قديما قيل إن الفتنة إذا أقبلت لم يرَها إلا الحكماء، وإذا أدبرت رآها كل أحد!
ولا شك أن أمتنا العربية والإسلامية تعيش هذه الأيام أصعب فترات التاريخ عصفا بها، وكأننا نعيد قراءة كتب التاريخ، تلك الكتب التي تتحدث عن الانقسامات بين العرب وبين أنفسهم، فكانوا يتقاتلون فيما بينهم سنوات طويلة إلى أن فنيت دول وزالت حضارات بسبب تلك الصراعات، والسبب في تلك الصراعات، كما تروي لنا كتب التاريخ تلك، هي دخول العدو الحاقد للعرب فيما بين العرب والاصطياد في الماء العكر.
ولتقريب الوضع بصورة أكثر بساطة، فإننا لو افترضنا أن أحد أصحاب الفكر المنحرف أو دعاة الفتنة طالب أو نادى بشيء مخالف للدين الإسلامي صراحة ومخالفته لنصوص شرعية من آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة، أو لأنظمة وقوانين وطنية أو أعراف دولية؛ فإن أي معارضة لهذا الطرح قد يعتبرها البعض محاربة للدين الإسلامي وأن الشخص المعارض (أو الجهة أو حتى الدول) لرأي هذا المتعالم صاحب الرأي المنحرف فهو محارب للدين ومحارب للأمة، بل قد يُخرج صاحب الفكر المنحرف وأتباعه كل معارض لرأيهم من ملة الإسلام تماما، وإن كان رأيهم فاسدا أو خبيثا.
ولتقريب الأمر بوضوح أكثر فإن هذا ما يحدث هذه الأيام من المدعو يوسف القرضاوي، الذي وفق ما يراه أكثر عموم المسلمين وأكثر العلماء الربانيين في هذا العصر أن الرجل أصبح مصدر فتنة علنية ظاهرة على مستوى العالم كله، وأصبح المحرض الأول على القتل والدمار والتهييج في العالم، وأي مخالفة لرأيه أو لما يقول قد يعتبره البعض من أتباعه أنه تهجّم على الإسلام وضرب في أصول الدين، كل هذا لمجرد عدم موافقة ما يطرح الرجل من رأي (وهو بالتأكيد وفق ما يراه عامة الناس مخالفا لمبادئ الشريعة الإسلامية السمحة).
والشواهد في تجاوز الرجل لحدود المنطق والدين كثيرة ومتعددة، ومن ذلك تحيزه الشديد لحزبه الذي ينتمي إليه؛ بحيث إنه حارب بلده الأم وشعبها وحكومتها لمجرد خلاف سياسي في الطرح وفِي المنهج، فأصبح يوزع صكوك الغفران على من يشاء وكيفما يشاء، وأصبح يُدخل الإسلام من يشاء ويُخرج منه من يشاء، وأصبح يوزع ألقاب الشهادة على من يشاء من أتباعه ويُدخلهم الجنة تلقائيا ويحرم لقب الشهادة ممن يشاء ممن يخالفونه في الرأي سواء كانوا أفرادا عاديين أو رجال أنظمة الشرطة والجيش (أو رجال الكفر والإلحاد على حد زعمه).
ونقولها وللأسف: إن الرجل تمادى في حده وتجاوز في أدبه مع ربه أولا ومع المسلمين ثانيا ومع الإنسانية عموما، وتجاوز أدبه مع التاريخ الإنساني ومع رجالات الفكر والعلم والمعرفة، بحيث إنه اختصر الإسلام العظيم في شخصه الضعيف وفِي شخوص من يؤمنون بفكره، الذي نعتقد أنه فكر أحادي الرأي، وفكر لا يقبل الطرف الآخر ولا يقبل الرأي الآخر، هذا الفكر الأحادي الرأي الذي نتج عنه الفكر الظلامي والإجرامي لداعش والقاعدة وغيرها من الأفكار الضالة والهدامة، تلك الأفكار التي ألغت الآخر وألغت قبول رأي الطرف الآخر، على الرغم مما يزعم به أصحابه بأنهم يقبلون آراء الآخرين.
هذا الإلغاء الذي نتج القتل والدمار والهرج والمرج في شرق الدنيا وغربها.
ومن الدول التي بادر أصحاب الفتن إلى تسميتها بأنها تحارب الإسلام وأهله، هي بلدي الحبيب دولة الإمارات العربية المتحدة، بل كذلك اتهام بلد مهبط الوحي، البلد التي تتشرف بخدمة الحرمين الشريفين، ابتداء من ملكها (حفظه الله) وانتهاء بكل جهاز وكل وزارة وكل فرد من شعبها.
وهنا لست في مجال الدفاع عن بلدي الإمارات، فإنجازاتها الحضارية والتنموية وحجم المساعدات التي تقدمها لمشارق الأرض ومغاربها لا يكاد يُحصي ذلك سوى الله عز وجل، نعم أؤكد ذلك وأشهد الله على ما أقول: "إن حجم المساعدات والمعونات التي تقدمها دولة الإمارات -حكومة وشعبا- لا يحصي ذلك سوى الله عز وجل؛ حيث إن تقديم هذه المساعدات على مدار الساعة في غرب الدنيا وشرقها وهي تعطى سرا وعلنا، سواء من الحكومة الاتحادية للدولة أو عن طريق الحكومات المحلية أو عن طريق الجمعيات الخيرية الرسمية بالدولة أو عن طريق أصحاب الخير مباشرة".
هذا بخلاف المبادرات الإنسانية العالمية التي تنفذها الإمارات سواء من خلال ولاة الأمر حفظهم الله أو من خلال جهود بعض مؤسسات الدولة التي لا تألو جهدا ولا تدخر وسعا في أن تجعل الإنسانية هدفها الأكبر وغايتها القصوى.
نقولها للأسف إن القرضاوي نجح في السيطرة على عقل ووجدان جار قريب عزيز علينا؛ فأصبح يسيّره كيفما يريد بحكم أن هذا من الدين، فأصبحت القيادة القطرية أداة من أدواته في القتل والفتن والدمار
إن الإمارات بما تبذله من جهود في إعادة شمل المسلمين وتوحيد وجهتهم ورؤيتهم تحت مظلة واحدة، وقبلة واحدة، إنما تعبر أصدق تعبير عن النهج الذي أسسها عليها المغفور له بإذنه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله تعالى بحكمته التي غرسها الله فطرة مستقيمة وعقلا منيرا، ظلت الأمة كلها عربا ومسلمين بمعينها الذي لا ينضب على مر السنوات والأيام، إن الإمارات في نهجها الذي تعمل على تحقيقه ترتكز فيه على رصيد من عقلٍ يُراجح بعلم وفقه وقدرة على فهم مالآت الأمور بين المصالح تحقيقا لقواعد الإسلام وشرعيته التي تستهدف أول ما تستهدف تحقيق وحدة الأمة تحت راية واحدة عمادها أن نكون يدا واحدة على من يحاول أن يشتت شملها أو يفرق جمعها أو يغرس فيها خنجرا ساما من أعدائها الذين يعملون ليل نهار على غرس الفتنة والشقاق بين الأمة، إن الإمارات التي تحاول قدر جهدها أن تكون نموذجا إسلاميا رائدا عالميا تعزيزا لمفاهيم الإسلام الداعية إلى السلام والأمن والسلام والتحاور الحضاري في مناخ يسوده روح التآلف والتأخي الذي لا يخلق عداوة أو حقدا أو تكفيرا وتفسيقا، إنها بنهجها الذي تعتمده تعمل على أن تكون "الجماعة" التي دعانا رسولنا الكريم أن نلتحف بظلها، وأن نستكن ببردها هي أساس توجهاتها وبصلتها فإذا اتفقت الأمة على شيء فهي معها، وعلى الله رزقها، وإذا اختلفت راجحت أيها أقرب إلى "الجماعة" فارتبطت بها وشدت عزيمتها أن تكن يدا وعونا لها مهما كان الأمر.
ونقول للقرضاوي وغيره إن الإمارات في نهجها السياسي الذي تلتزمه اجتهاداً منها في تحقيق مراد الله تعالى وغاية شريعته من وحدة للأمة يدل عليه مواقفها التي وقفتها على مدار تاريخها مع الأمة جماعة وألفة ووحدة، وهذا هو المقياس الذي من خلاله يمكن أن نقول إن هذه دولة مع الإسلام أو ضده، أما كل من يريد أن يحتكم إلى غرضه وهواه وطلبته ودنياه، فهذا ليس من الله في شيء، وما هو إلا من الذين قال تعالى فيهم: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
وللأسف فإن القرضاوي الذي جمع الإسلام العظيم كله في شخصه الضعيف، نجح ونقولها للأسف إنه نجح في السيطرة على عقل ووجدان جار قريب عزيز علينا، فأصبح القرضاوي يسيّر الجار العزيز كيفما يريد القرضاوي، بحكم أن هذا من الدين؛ فأصبحت القيادة القطرية أداة من أدوات القرضاوي في القتل والفتن والدمار، فأصبحت قطر تموّل العصابات الإرهابية بدعوى أنها تخدم الدين الإسلامي وأن هذا المال الموجود عند القطريين إنما هو مال الله وقطر وحكّام قطر مؤتمنون عليه وبالتالي عليهم إقامة شرع الله في هذا المال.
وأصبح كل من يخالف سياسة قطر في دعم الإرهاب والإرهابيين كأنه يحارب الإسلام .
ونقول للقرضاوي وغيره من أصحاب الفكر العفن ودعاة الفتنة: "وهنا لا يضيركم شأن قائل هذه الكلمات بقدر صحتها وبقدر النصيحة؛ فإن خيرا منكم سمع النصيحة ممن هو خَيْرٌ مني".
أقول للقرضاوي: اتقِ الله.. اتق الله.. اتق الله فيما تقول وفيما تحرّض به الناس على القتل والدمار؛ فإنك ستحاسب وحدك يوم القيامة، ونذكرك بحديث سيد البشر صلى الله عليه وسلم: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا".
ونقول للقرضاوي وغيره إن أنواع القتل والتحريض متعددة، ومنها التحريض سواء عن طريق فتوى أو تغريدة أو لقاء صحفي أو لقاء تلفزيوني أو خطبة أو درس.
ونسأل الله تعالى أن يجمع الأمة ويوحد شملها ويدرأ عنها شر الفرقة والاختلاف ومن يدعو إلى ذلك.
انتهت كلمات كاتب هذه السطور ولَم تنتهِ همومه تجاه خير أمة أُخرجت للناس أسهم في ضياعها علماء كانوا من المفترض أن يكونوا دعاة سلم ومحبة وتسامح.
طبتم وطابت أوقاتكم بكل خير
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة