الذهب في لحظة تاريخية.. تجاوز محطة «الملاذ الآمن» واستعاد عرش «النظام المالي»

يبدو أن الذهب قد استعاد مكانته في النظام المالي العالمي، سواء أكانت هذه العودة مؤقتة أم بداية نظام جديد، حيث يعيش المعدن الأصفر لحظة مفصلية، في ظل عالم تتزايد فيه الشكوك وعدم اليقين.
وقال تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إنه كان يُنظر إلى الذهب، كما وصفه الاقتصادي جون ماينارد كينز، على أنه "آثار بربرية". لكن دوره عاد بقوة اليوم في النظام المالي العالمي. فبعد تراجعه عقب انهيار نظام بريتون وودز في السبعينيات وقيام البنوك المركزية ببيع احتياطياته، عاد الذهب ليحتل موقعًا محوريًا في الاحتياطيات العالمية ومحافظ المستثمرين.
ووفقًا للتقرير، تجاوز الذهب مؤخرًا اليورو ليصبح ثاني أكبر أصل احتياطي عالميًا بعد الدولار، بدفع من موجة شراء قياسية من البنوك المركزية التي اشترت أكثر من 1000 طن سنويًا في السنوات الثلاث الأخيرة. وتصدرت هذه الموجة دول نامية غير متحالفة مع الغرب مثل الصين والهند وتركيا، سعيًا لتنويع الاحتياطيات وتقليل الاعتماد على الدولار.
عدم اليقين
والقلق المتزايد بشأن استدامة الدين الأمريكي وهيمنة الدولار، خاصة مع سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاقتصادية المثيرة للجدل وتوسيع الإنفاق الحكومي، عزز من مكانة الذهب كملاذ آمن. وقد دفع ذلك أسعار الذهب إلى مستويات قياسية هذا العام، متجاوزة 3000 دولار للأونصة، وهو أعلى سعر بالقيمة الحقيقية منذ 1980، متفوقًا على الأسهم والطاقة والعملات الرئيسية.
ورغم صعود العملات الرقمية مثل البيتكوين، لا يزال كثير من المستثمرين يعتبرون الذهب ملاذًا فريدًا. وقال كينيث روجوف من جامعة هارفارد: "الناس يقولون إن البيتكوين هو الذهب الجديد، وأنا أقول: لا، الذهب هو الذهب الجديد".
والطلب على الذهب لم يأت فقط من المستثمرين الأفراد؛ بل شهدت الصناديق المتداولة المدعومة بالذهب تدفقات صافية بلغت 322.4 طن خلال أول خمسة أشهر من العام. أما البنوك المركزية فتسعى وراء الذهب لأسباب استراتيجية، أبرزها الحياد المالي في ظل التصاعد الجيوسياسي.
وكان لتجميد الأصول الروسية بالدولار في 2022 بعد اندلاع حرب أوكرانيا أثر كبير في إعادة تقييم الدول لاحتياطاتها. وأدركت عدة دول أن الدولار قد لا يكون ملاذًا آمنًا دائمًا، مما عزز التوجه نحو الذهب كبديل محايد.
كما يوضح المؤرخ الاقتصادي باري إيشينغرين، فإن صعود الذهب في احتياطيات البنوك المركزية يعكس التحول في ميزان القوى العالمي، لكنه يعود أيضًا إلى غياب بدائل فعالة للدولار. فاليورو، رغم مكانته، يعاني من قلة الأصول القابلة للاستثمار مقارنةً بسوق الخزانة الأمريكية الضخمة، مما يقلل من قدرته على لعب دور مماثل للدولار.
تحديات
لكن رغم صعوده، لا يخلو الذهب من تحديات. كونه أصلًا ماديًا يجعل تخزينه ونقله مكلفًا ومعقدًا، وأدى احتمال فرض رسوم جمركية في بداية 2025 إلى ذعر في الأسواق وتسابق لنقل المعدن إلى نيويورك، مما تسبب بازدحام في خزائن بنك إنجلترا.
كما ظهرت مؤشرات على "سخونة" السوق، إذ أشار استطلاع لبنك أوف أميركا إلى أن 45% من مديري الصناديق يرون الذهب مبالغًا في تقييمه، وهي أعلى نسبة منذ 2008.
ومع ذلك، يظل الذهب عنصرًا أساسيًا في المحافظ الاستثمارية. ويؤكد لوكا باوليني من "بيكتيت لإدارة الأصول": "قد لا يواصل الذهب أداءه القوي كما في السابق، لكنه يستحق مكانًا في كل محفظة، مهما كان سعره".
ويذهب بعض المحللين إلى أبعد من ذلك، معتبرين عودة الذهب مؤشرًا على فشل نظام العملات الورقية، الذي سمح بطباعة الأموال بلا حدود وأدى إلى إنفاق مفرط يهدد بثقة الناس بالنقود نفسها. ويرى راندي سمولوود من "ويتون" للمعادن الثمينة أن فترة ما بعد 1970 كانت "تجربة اقتصادية" فاشلة.
لكن آخرين يحذرون من التعلق المفرط بالذهب، مشيرين إلى أن ربط العملات به ساهم في تفاقم الأزمات، مثل الكساد الكبير، لأنه يقيّد قدرة الحكومات على التوسع المالي في الأزمات.
aXA6IDIxNi43My4yMTcuMSA= جزيرة ام اند امز