"زيتونة القدس" لأنور الموسى.. المقاومة شعرا
في الوقت الذي تهتز فيه المنطقة العربية بفعل صدمات ما بعد الربيع العربي والحروب في سوريا والعراق واليمن وليبيا، يخرج ديوان "زيتونة القدس" ليعبر عن الوجع العربي
في الوقت الذي تهتز فيه المنطقة العربية بفعل صدمات ما بعد الربيع العربي والحروب في سوريا والعراق واليمن وليبيا، يخرج ديوان "زيتونة القدس" ليعبر عن الوجع العربي بشكل عام ويعيد بوصلة الألم إلى القضية الفلسطينية.
في مجموعة من القصائد، يرصد الشاعر الدكتور أنور الموسى، آلام الوطن والمواطن العربي سواءً تحت الاحتلال في الأراضي الفلسطينية أو تحت الحصار في غزة أو رهين الفوضى في اليمن وتحت القصف في سوريا والعراق.
وفي الوقت الذي يعبر فيه عن أوجاع العالم العربي، فإنه يرد كل تلك الأوجاع إلى الوجع "الأصلي" وهو استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. ويصف أنور الموسى ديوانه الذي صدر عن دار النهضة العربية في بيروت بأنه "مجموعة قصائد شعرية مفعمة بما يصبو إليه أحرار العالم".
تتناثر على صفحات الديوان تعبيرات ترسم الكثير من صور الألم العربي؛ المستوطنات والمستوطنون، المجازر، قصص المعاناة في القدس، تقطيع أشجار الزيتون، مخيمات اللاجئين، سادية المغتصب، والشهداء، هذا عدا السرد العاطفي المرتبط بأسماء مدن فلسطينية وبيروت وحارات دمشق والشام.
للعراق وسوريا ولبنان والشام بشكل عام حيز مهم في الديوان، لكن القدس وأحياءها وأهلها وناسها والفلسطينيين سواءً كانوا تحت الاحتلال أو في مخيمات اللاجئين هي ما يشغل الحيز الأكبر والقدر الأوفر من الدموع المراقة والمشاعر الفضفاضة التي يحتويها الديوان.
نحو 145 قصيدة يتألف منها الديوان تشبع شغف المهمومين بقضايا الشرق الأوسط بشكل عام واللاجئ الفلسطيني بشكل خاص الذي يحلم بشيء في غاية البساطة، بطاقة هوية لا تحمل صفة اللاجئ.
يحلم الشاعر بالوطن الفلسطيني ويتصور في بعض القصائد مشاهد العودة للاجئين وأعراس ما بعد إقامة الدولة.. ويقول في قصيدة (حلم العودة إلى القدس) متصورًا "وفود العائدين" إلى المدينة المقدسة.
ويتخذ المؤلف من الزيتونة رمزاً للقضية الفلسطينية ويضفي عليها صفة البقاء والخلود الأبدي ربما في عمل مضاد لما تقوم به قوات الاحتلال التي تحاول القضاء على الزيتون والقضاء على القضية واستمرار الاحتلال. الزيتونة رمز للصمود والآلام والتحمل والصبر والوطن المفقود (الفردوس) وهي النبات المقدس للفلسطينيين "لذا يقطعها الاحتلال في الضفة الغربية" على حد قول المؤلف الذي يؤكد أن "الزيتونة هي رمز الحياة مقابل القتل والمجازر".
إنه ديوان مفعم بالثورة والحنين إلى الفردوس المغتصب، تغلفه ثنائية الدم والنصر والحياة والموت والشهادة والتحرير، فيه عذاب اللاجئ والمخيمات، والثورة وأحلام العودة، وتمجيد الزيتونة الذي هو تمجيد للوطن المغتصب والمحتل.
يتقمص الشاعر دور المعلم ودور الأب والجد الذي أحب الوطن من جيل إلى جيل: "مُدَرِّسًا كُنْتُ مَا تَاجَرْتُ بِالكُتُبِ- وَلَمْ أَبِعْ قَطُّ مَحْرُوْمًا لِمُغْتَصِبِ- وَلَمْ أَبِعْ مِنْ حُدُوْدِي شِبْرَ مَمْلَكَةٍ- وَلَا تَنَقَّلْتُ بِالأَلْقَابِ وَالرُّتَبِ- مُدَرّسٌا كُنْتُ لَمْ أَكْذِبْ عَلَى طِفْلٍ -وَلَا اقْتَرَبْتُ مِنَ الأَنْجَاسِ وَالَّلهَبِ- مَنَحْتُ طُلّابَنا كُلَّ الهَوَى والهُدَى-وَكُنْتُ كَالطَّائِرِ المَوْصُوْلِ بِالتَّعَبِ- مُعَلِّمٌا بِتُّ فِي أنشودة- وَصَفَتْ أَخْلَاقَ أُمِّي وَحَلّاهَا بَرِيْقُ أَبِي- لأَقْرَأَنّ عَلَيْكُمْ صَفْحَتِي شَرَفِي-وَأُرْسِلَنَّ إِلَيْكُم عِزَّةَ العَرَبِ -لا تَسْأَلُوْا بعد عَنْ أولادكم-أَبَدًا فَإِنَّ ابْنَتَكُمْ نَوَّارَةُ الذَّهَبِ".
ثم ينتحب في قصيدة "هكذا ننتحر" التي يبدو أنه يتحدث فيها عن حروب يتقاتل فيها عرب ضد عرب ومسلمون ضد مسلمين فيقول: "مَا لِيْ أَرَى كُلَّ يَوْمٍ رَوْضَةً حُرِقَتْ- تُدْمِي القُلُوْبَ وَتُبْكِي الطِّفْلَ وَالمُدُنَا؟- مَا كَانَ أَرْوَعَهُمْ لَوْ أَنَّهُمْ رَدَعُوا-حَرْبًا وَصَدّوْا عِدًى أَوْ أَنْقَذُوا وَطَنَا! -نَاحُوا عَلَى الدَّارِ لَمّا شُوْهِدَتْ أَثَرًا- وَمَا رَعوْهَا وَقَدْ صَارَتْ لَهُمْ كَفَنَا- كَوَاهُمُ العُنْفُ حَتّى رَدّهُمْ فِرَقًا وَأُنْبَتَ العُهْرَ واسْتَبْقَى لَهُمْ عَفَنَا".
ليختتمها بوصف ما تمر به الأمة العربية من محنة كبرى: "كَأَنَّمَا المِحْنَةُ الكُبْرَى مُقاَمَرَةٌ- أَوْ قَائِدٌ كلَّمَا ذَمَّيْتُهُ فَتَنَا". ولا يبذل الشاعر أي محاولة لإخفاء حماسه الشديد وحبه لوطنه الكبير وإخلاصه في الدفاع عن قضاياه.
استخدم الشاعر في معظم قصائده أسلوب القصيدة العربية التقليدية، ملتزمًا بالقافية والبحور الشعرية، ربما لكي يتواءم مع موضوعه المرتبط بالتاريخ والعروبة وفي محاولة لرد الأماكن إلى أصلها العربي القديم. لغته العربية تتسم بالقوة والجزالة وتصل في بعض الأحيان إلى حد التعقيد الذي يضطره إلى كتابة شروح وتفاسير لبعض الكلمات، ناهيك عن التلوين الأسلوبي، والتراكيب النحوية والتقديم والتأخير والمباعدة بين المتلازمات لدواع نفسية، وذكر الرموز التراثية.
يسعى الموسى في سطور شعرية وأبيات تقطر مرارة وتمردًا على الواقع العبور فوق جسر المرارات واستشراف مستقبل ينعم فيه الإنسان العربي بالحرية والخلاص من الاستعمار بكل صوره وأشكاله. الديوان مادة خصبة للدراسة لأنه مفعم بالثنائيات والجزالة ومفردات التحليل النفسي وأدوات الحرب والأمكنة والإشارات والرموز مستقيًا بعض مفرداته وأدواته من الواقع الحالي والبعض الآخر من التراث العربي القديم.