رؤية محمد بن راشد تعي حكمة التفكير من منظور شامل، وعليه فإنها تطلق طاقات التفكير المركز، وتكتشف روعة الإبداع المتحول إلى واقع
عرفت العرب عبر الميثولوجيا التاريخية أمثالا متعددة، من بينها ما جاء في شأن المستحيلات، فقالت "رابع المستحيلات"، في وصف استحالة حدوث شيء ما، أما الثلاثة السابقون فهم الغول والعنقاء والخل الوفي، وفي مواضع أخرى وللمزيد من التعجيز قالت العرب من سابع المستحيلات.
لكن الكبراء والعظماء لا توجد كلمة مستحيل في قواميسهم اللغوية، ومن هنا يمكن مناقشة الطرح الفكري الخاص بالشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي عن "وزارة اللامستحيل"، وعنده أبدا ودوما أن اللامستحيل وبفعل الديناميكية الخلاقة والمتجددة للإرادة الإنسانية، في العقل والقلب صباح مساء كل يوم، يضحى ممكنا وواردا وقابلا للتحقق.
معظم الأشياء التي استحقت فعلها في هذا العالم أعلنت كمستحيلات، قبل أن يتم القيام بها، انظر إلى إديسون وألف تجربة قبل أن يصل إلى مصباحه الكهربائي، أو الأخوين رايت وثورتهما وراء صناعة الطيران، ولك أن تمعن النظر في معاصرنا "جيف بيزوس" صاحب المتجر العالمي أمازون، وأغنى رجل على وجه البسيطة، جميعهم لم يعرفوا المستحيل.
رؤية محمد بن راشد تعي حكمة التفكير من منظور شامل، وعليه فإنها تطلق طاقات التفكير المركز، وتكتشف روعة الإبداع المتحول إلى واقع، وتحلق عبر طاقات استراتيجية خلابة تناقش احتمالات المستقبل وتشاغبها، تطارد مبتكرات الغد وتطوعها، والهدف عنده في الحال والاستقبال مواطنوه وتحقيق أفضل مستوى حياة لهم
يمضي الشيخ محمد بن راشد بمواطنيه عبر أسئلة هي محركات الفكر الإنساني، يتوقف عند لماذا هذا مستحيل؟ وينتقل بمريديه إلى مرحلة مغايرة من البحث عما إذا كان بالإمكان فعل هذا المستحيل؟ وصولا إلى فعل الأمر، دعنا نقوم بالأمر، أي تحقيق المستحيل عينه.
وزارة اللامستحيل التي سعى الشيخ محمد بن راشد في طريقها لا وزير لها، فيما مسؤولوها هم مجلس الوزراء كله دفعة واحدة، الأمر الذي يخلق تساؤلا جذريا عن هيكلية هذه الوزارة، وكيف لها أن تعيد هندسة المنظومات الحكومية، والسلوكيات المجتمعية، والتفكير الاستباقي؟
التفكير المرتب في رؤية تلك الوزارة يفيد بأنها تتماشى مع الأزمنة في أوقاتها الثلاثة، إنها تنظر إلى ما كان في الماضي، ثم تجيل البصر فيما هو حاضر وكائن، وتقفز إلى آفاق المستقبل.
وزارة هدفها الرئيس إدارة اكتشاف المهارات، وإدارة منصة المشتريات الحكومية، وبلورة خطوط طول وعرض للجيل المقبل من الممارسات الحكومية، وصولا إلى تطوير حلول جذرية واستباقية لمواضيع معينة ضمن فترة زمنية محددة.
لماذا لا يوجد وزير خاص بهذه الوزارة، مثل وزير السعادة والتسامح، وغيره من وزراء الحكومة المنوطة بهم مهام مسطورة في كتب؟
أغلب الظن أن الشيخ محمد بن راشد يرمي إلى تخليق استراتيجية بعيدة النظر أشبه ما تكون بالعمل الفني العظيم، ذاك الذي تدركه حين تقف مشدوها أمام لوحات مايكل أنجلو التي يصور فيها سفر التكوين من التوراة على سقف كنيسة السيستاين في قلب الفاتيكان، أو تمثال النبي داؤد، أو حين تقرأ رواية خالدة مثل "الجريمة والعقاب"، أو تستمع إلى السيمفونية التاسعة لبيتهوفن، أو تحضر عرضا لمسرحية هنري الخامس لشكسبير، وفي جميعها لا يمكنك الإشارة إلى أي عنصر منفرد ادى إلى نجاح الأمر برمته، بل هي المنظومة الكاملة التي قادت إلى عظمة خالدة، فجميع الأجزاء تتضافر معا من أجل تحقيق تأثير إجمالي.
لكن التجرؤ على الأمل لا يمتلك ناصيته إلا قيادات تؤمن بالابتكار والإبداع عوضا عن الاتباع، قيادات لا تخشى من الخلف، بقدر ما تحترم تراث السلف من دون تقديس متكلس يوقف مجرى دوران الأرض من حول الشمس.
رؤية محمد بن راشد تعي حكمة التفكير من منظور شامل، وعليه فإنها تطلق طاقات التفكير المركز، وتكتشف روعة الإبداع المتحول إلى واقع، وتحلق عبر طاقات استراتيجية خلابة تناقش احتمالات المستقبل وتشاغبها، تطارد مبتكرات الغد وتطوعها، والهدف عنده في الحال والاستقبال مواطنوه وتحقيق أفضل مستوى حياة لهم، ومن قبل ناشدهم أن يلامسوا النجوم والكواكب بأفكارهم ومبتكراتهم، إنه عصر الابتكار وما بعد جاليليو وكوبرنيكوس، إنه زمن ايلون ماسك العبقري الذي سبق بمؤسسته وكالة ناسا للفضاء، ما يعني أن ساحة الإبداع واسعة فسيحة لكل مجتهد، وكل مجرب، وكل من تداعبه شهوة العلوم والاكتشافات.
والشاهد أن كون أعضاء مجلس الوزراء هم وزراء اللامستحيل فإن هذا يعني تعديلا وتبديلا مستقرين ومستمرين في هيكلية حكومة الإمارات، وطريقة عملها، من أجل ملاقاة الكثير من تحديات الغد، ذاك الذي يوفي للمبدعين ويخلف من ورائه الكسالى والتقليديين.
المستحيل كلمة ليست في قاموس الشيخ محمد بن راشد، ومن قبل قال إمبراطور فرنسا الأشهر نابليون بونابرت إن المستحيل لا يوجد إلا في قاموس الضعفاء، والمستحيل لم يكن قط جزءا من تفكير الإبداع في دبي، تلك التي صارت مضرب الأمثال ورواق الأمم الجديدة في القرن الحادي والعشرين، ومن هنا لا يمكن أن تكون بحال من الأحوال مكونا في أوراق الإمارات التي تنشد مدينة بشرية فوق سطح المريخ، خلال بضعة عقود قادمة.
يؤمن الشيخ محمد بن راشد بأن كل شيء سباق ومبدع يبدأ بفكرة، وما الحياة إلا مجموعة من الأفكار التي تدور في خلد المرء طوال اليوم، ويعلم دائما وأبدا من حوله أن أفكارنا تحدد هويتنا، كما أنها تحدد مصيرنا، ومصيرنا يحدد الإرث الذي نتركه وراءنا، ترى ما الإرث الذي يود أن يتركه محمد بن راشد لبلاده وعالمه العربي؟
كثيرون في واقع الحال تعجبوا حين قال الرجل إن بلاده سوف تحتفل يوم تستخرج آخر برميل من النفط من أراضيها، وعند هؤلاء أنه كان حقيق به والإماراتيين أن ينشدوا البكائيات، وينظموا معلقات الرثاء على النفط الناضب.
لكن ما يفوت هؤلاء أن قدر الذهب المستخلص من الأفكار البشرية يفوق كثيرا جدا قدر الذهب الذي استخرج من باطن الأرض.
إرث الشيخ محمد بن راشد هو الإنسان الإماراتي، ولهذا فإنه عندما يقضي وقته وحياته من أجل الابتكار والتعليم، وتغيير طريقة التفكير وتطويرها، فإنه بذلك يستثمر فيما هو أغلى من الفضة وأثمن من الذهب.
وزارة اللامستحيل تذكرنا بأن مناجم الذهب تنفد، والأسواق المالية معرضة للانهيار، والاستثمارات العقارية قد تسوء أوضاعها، ولكن عقل الإنسان الذي يملك القدرة على التفكير السليم أشبه بمنجم ماس لا ينفد أبدا، ولا يقدر بثمن.
خير الكلام: أفعال الرجال هي خير مترجم لأفكارهم.. إلى أين تأخذ أفكار الشيخ محمد بن راشد بلاده في معارج المجد بين الأمم؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة