الرسالة المهمة أن قطر تؤدي دورا تكتيكيا واستراتيجيا في الإقليم وخارجه بصورة منفردة، ومن خلال أدوار تنسيقية مع تركيا وإيران
تكشف التحركات القطرية في الإقليم عن مسعى متواصل لإعادة دورها من جديد، وهو ما برز في زيارة أمير قطر الإقليمية مؤخرا إلى كل من الأردن وتونس والجزائر، والتحركات المباشرة في قطاع غزة، وجنوب الساحل والصحراء، والانتقال إلى بؤر جديدة في الأزمات الإقليمية، التي تبحث فيها قطر عن موضع قدم، فالواضح من قيام الشيخ تميم مؤخرا بزيارته إلى الأردن، وذلك لأول مرة منذ عام 2014، أنها مسعى مخطط لإعادة هيكلة العلاقات من جديد، على الرغم من أن الزيارة ومخططها غير متوازنة في ظل مصالح تتحكم بالملفات التي تم طرحها.
فالأولويات الاقتصادية المهمة بالنسبة إلى الأردن تتمثل في فتح مزيد من الوظائف في قطر أمام العمالة الأردنية التي تعاني البطالة، وتلبية بعض احتياجات الأردن الاقتصادية، في حين أن المصلحة القطرية تتمثل في تعزيز النفوذ السياسي لحركة حماس، وفي أن يكون الأردن مدخلا للمصالحة الفلسطينية بين حماس والسلطة الفلسطينية، ورغم ذلك تتحرك قطر تحت مظلة توفير المساعدات ومناكفة الخيار الخليجي الداعم للأردن في مواجهة الخيار الإقليمي، لجذب الأردن من حاضنته الخليجية الرئيسية، وهو ما يدرك أبعاده جيدا الأردن ويتعامل معه بواقعية، خصوصا مع وجود 60 ألف أردني يعملون في قطر، في ظل وصول الاستثمارات القطرية إلى نحو 500 مليون دولار.
أما عن التحركات القطرية في المنطقة المغاربية فلا يخفى سعي قطر لبناء قاعدة إخوانية لها في تونس، تكون نقطة ارتكاز حقيقية لها في شمال أفريقيا، خصوصا بعد رفض الحكومة التونسية استخدام أراضيها لشن هجمات على ليبيا، ودعم حكومة الوفاق الوطني
أما عن التحركات القطرية في المنطقة المغاربية فلا يخفى سعي قطر لبناء قاعدة إخوانية لها في تونس، تكون نقطة ارتكاز حقيقية لها في شمال أفريقيا، خصوصا بعد رفض الحكومة التونسية استخدام أراضيها لشن هجمات على ليبيا، ودعم حكومة الوفاق الوطني، حيث تعمل قطر على لعب دور الوسيط لإقناع الرئيس التونسي باستخدام الأراضي التونسية لصالح التحركات المشبوهة لتركيا في ليبيا، وهو الأمر الذي يجري التخطيط له، بعد أن فشل الرئيس أردوغان في محاولة استغلال دول المغرب العربي من أجل زيادة نفوذه العسكري في المنطقة.
وليس بخافٍ أن قطر لوحت بتنفيذ مشروعات استثمارية كبيرة في تونس، ومحاولة إظهار أن هذا كله لدعم الرئيس التونسي قيس سعيد، والذي يحتاج للمزيد من المشروعات والاستثمارات من أجل زيادة شعبيته وتحقيق برنامجه السياسي في ظل ما يواجهه من تحديات داخلية متعددة، وعبر استغلال حركة النهضة ذراع جماعة الإخوان المسلمين بتونس، خصوصا أن الشيخ تميم خطط لعقد صلح بين قيس سعيد والغنوشي، بعد فترة من تأزم العلاقة بينهما، جاء تشكيل الحكومة التونسية أبرز أسبابها، كما أن التقييمات القطرية تشير بقوة إلى أن الملف الأمني الداخلي والإقليمي في يد الرئيس التونسي بالأساس.
أضف إلى ذلك سعي قطر إلى تنفيذ مخطط جديد، يستهدف تمزيق وحدة القبائل الليبية؛ حيث تفسح المجال لقطر، من أجل التعامل مع قبائل ليبيا واستقطابها؛ حيث يتم ضرب وحدتها واستقرارها واتفاقها على مواجهة المليشيات المسلحة التابعة لفايز السراج، في ظل ما يعرف من دعم الدوحة للتحركات التركية في ليبيا، وهي التي تعتمد على إمداد مليشيات حكومة السراج بالسلاح والمرتزقة الأجانب، فتركيا وقطر تحاولان استغلال العلاقة القوية لهذه القبائل مع تونس، وتوريط الأخيرة في التماهي مع التحركات الراهنة، وذلك بهدف تمزيق وحدة القبائل الليبية، وبالتالي إفشال مساندتها للجيش الوطني، بما يعني نجاح جهود دعم السراج ومليشياته.
كما يكشف التحرك القطري الراهن في الملف الفلسطيني عن رغبة الجانب القطري في تطوير حضوره السياسي والاستراتيجي في القطاع، الذي بات يدور في دائرة محددة تتعلق بتقديم المساعدات والإشراف على عملية الإعمار التي باتت تواجه تحفظات حقيقية من داخل القطاع، واتهام اللجنة بالسعي لاستثمار وجودها في مشروعات جديدة مربحة ومنافسة الدور الإقليمي للقوى الراهنة والممثلة في مصر، التي لا تزال ترعى ملف المصالحة بين القطاع وإسرائيل، إضافة لتجديد قنوات التواصل المباشر في الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي، خصوصا أن الاتصالات السياسية بين الجانبين القطري والإسرائيلي اقتصرت في الفترة الأخيرة على مفاوضات لإدخال السلع والبضائع، والتفاوض حول صفقة تبادل الأسرى التي توقفت لأسباب متعلقة بموقف حركة حماس، وقد تجاوزت المشروعات التي نفذتها قطر بغزة مليار دولار خلال الفترة الماضية، بالإضافة لالتزامها بدفع نحو 30 مليون دولار شهرياً لدعم قطاع الكهرباء والأسر بالقطاع، وفي إطار تأكيد دورها المرفوض شعبيا ومن قطاعات متعددة.
الرسالة المهمة أن قطر تؤدي دورا تكتيكيا واستراتيجيا في الإقليم وخارجه بصورة منفردة، ومن خلال أدوار تنسيقية مع تركيا وإيران وبدعم أمريكي غير معلن؛ حيث تبحث عن مسارات جديدة لعودة حضورها السياسي والاستراتيجي المكثف، وفي ظل محاولاتها التشويش على ما يجري من تحديات وأزمات داخلية حقيقية تواجه نظام الحكم في قطر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة