الخطر الكوروني الذي نعيشه في لبنان بدأ من رحلات آتية من إيران، "خاف" الوزراء، ورئيسهم، من وقفها باكراً، ودافع حزب الله عن استمرارها،
جهد محلّلون وكتّاب وسياسيون في تسويق فكرة أنّ وزراء الحكومة الحالية هم "تكنوقراط"، ومتخصّصون. قصدوا في هذا أنّه "ما الهمّ إذا كان جبران باسيل أو جميل السيّد أو حسن نصر الله هم من عيّنوهم؟". وكان المقصود أيضا: "المهمّ سيرهم الذاتية وكيف سيكون سلوكهم داخل الحكومة، وليس من سمّاهم".
وهنا تماما كانت الخطيئة الكبيرة. خطيئة وضعت لبنان في عنق زجاجة الإفلاس المالي، وخطيئة وضعت اللبنانيين في قلب عاصفة كورونا الهوجاء، في 20 فبراير/شباط الماضي، وصلت رحلة آتية من إيران، من مدينة قم إلى لبنان. وقم هي العاصمة الدينية لإيران، حيث رجال الدين والمقامات، وهي التي، منذ انتصار الثورة الخمينية، تنافس "النجف"، دون أن تنتصر، على أن تكون المرجعية الشيعية الأولى في العالم. وإليها يحجّ شيعة لبنان لأخذ "البركة" الدينية والسياسية.
الرحلة الآتية من قم كان على متنها لبنانيون وإيرانيون. ومن الواصلين، سيّدة ثبت في اليوم التالي إصابتها بفيروس كورونا المعدي، ثم ثبت إصابة آخرين.
خرجت أصوات طالبت بوقف الرحلات الآتية من إيران. كان أوّل المطالبين وزير الداخلية السابق النائب نهاد المشنوق الذي غرّد في اليوم نفسه لاكتشاف الحالة الأولى: "لا أعرف ماذا ينتظر رئيس الحكومة، ولا ماذا تنتظر اللجنة الوطنية التي تحدّث عنها وزير الصحّة، من أجل طلب وقف جميع الرحلات الآتية من إيران، أسوة بالدول التي اتخذت قرارات مماثلة. سرعة القرار هي القرار في مثل هذه الحالات والتأخّر يعرّض سلامة كلّ اللبنانيين للخطر".
لم يقتنع أحد. تبع المشنوق نواب وسياسيون. وبعد أيّام ردّ عليهم النائب عن حزب الله حسن فضل الله، الذي رسم سقف النقاش: "سمعنا في اليومين الماضيين خطابات سياسية وإعلامية خارجة عن كل المعايير الإنسانية والأخلاقية، وهذا يدين أصحاب العقول المريضة التي أصيبت قلوبهم بكورونا أخلاقية"، وتابع: "الحكومة مسؤولة عن كل مواطن، سواء في لبنان أو في أي دولة في العالم، وبالتالي، هل يحق لأحد أن يقول لهم لا تأتوا إلى لبنان وامنعوهم من العودة؟".
ونظّم حزب الله حملة على مواقع التواصل عنوانها هاشتاق غريب من نوعه: "السم من إيران هو عسل". كان الهدف منها "التصدّي" لمن طالبوا بوقف الرحلات من إيران. ووزّع الإيرانيون صور "حجّاج" في مقامات قم الدينية، يقبّلون هذه المقامات.
في 20 فبراير/شباط الماضي، وصلت رحلة آتية من إيران، من مدينة قم إلى لبنان. وقم هي العاصمة الدينية لإيران، حيث رجال الدين والمقامات، وهي التي، منذ انتصار الثورة الخمينية، تنافس "النجف"، دون أن تنتصر، على أن تكون المرجعية الشيعية الأولى في العالم. وإليها يحجّ شيعة لبنان لأخذ "البركة" الدينية والسياسية.
وفي حين رفضت الحكومة الرضوخ لطلبات وقف الرحلات الآتية من إيران، كانت وزارة الصحّة تعلن أنّ مزيدا من المسافرين على متن الرحلات الآتية من إيران ثبتت إصابتهم بكورونا. وكان وزير الصحّة، التابع لحزب الله، وعلى موجة الحكومة وخلفيتها السياسية، يثابر على إعلان أن "لا داعي للهلع".
تأخّرت الحكومة، حتّى 28 فبراير/شباط، في وقف الرحلات "من البلدان الموبوءة"، وهي "الصين، كوريا الجنوبية، إيران، وإيطاليا". لكن كان الأوان قد فات. في هذه الأثناء أجريت الانتخابات الإيرانية، وصدرت النتائج، قبل إعلان سلطات إيران عن انتشار كورونا في أنحاء البلاد. ليتبيّن أنّ عددا كبيرا من المسؤولين الحكوميين، وبينهم مستشار المرشد علي الخامنئي، و8% من مجلس النواب، مصابون بكورونا.
في 6 مارس/آذار، أي بعد أسبوعين من الإصابة الأولى، أعلن وزير الصحّة اللبناني أنّ فيروس كورونا انتقل من مرحلة "الاحتواء" إلى مرحلة "الانتشار". أي أنّ الوزارة ما عادت تميّز مصدر الإصابات وصلات المصابين الجدد بالمصابين المسجّلين. وبالتالي فإنّ الانتشار بات "خارج السيطرة"، وبات لبنان في مرحلة خطيرة.
هذا الملفّ الخطير، في لحظة انتشار وباء على مستوى عالمي، مؤشّر صارخ على مدى ارتهان هذه الحكومة لإيران، ودليل لا يرقى إليه الشكّ على "الرعب" الذي تعيشه الحكومة، في كلّ ما يتعلّق بإيران وأدواتها في لبنان.
لبنان اليوم سجّل 22 حالة، وأعلن ما يشبه حالة الطوارئ في 6 مارس/آذار، إذ أعلنت المؤسسات الحكومية عن استمرار إقفال المؤسسات التعليمية ودور الحضانة ومراكز الترفيه (دور سينما وملاهٍ ليلية...). وطلبت الحكومة تفادي الأماكن المكتظة والتزام "مسافات آمنة" بين المواطنين.
كلّ الخطر الكوروني الذي نعيشه في لبنان بدأ من رحلات آتية من إيران، "خاف" الوزراء، ورئيسهم، من وقفها باكراً، منذ اليوم الأوّل، ودافع حزب الله عن استمرار تدفّقها، على لسان نوابه وجيشه على مواقع التواصل، بعنوان بليغ: "السم من إيران هو عسل".
هكذا صرنا في حالة طوارئ عامة. وها هو السمّ الإيراني، في عسل الحكومة، يضع لبنان على مشارف كارثة صحيّة، كانت بدايتها سياسية، والأمل ألا تكون نهايتها كارثية.
ولا بدّ هنا من التذكير بأنّ القطاع الصحّي اللبناني يعاني من نقص كبير في المستلزمات الطبية، بسبب شحّ الدولار، والعجز عن الاستيراد. والسبب هو الأزمة النقدية والمالية غير المسبوقة، التي ظاهرها اقتصادي، وباطنها سياسي، في ظلّ انفضاض "العرب" واعتكافهم عن مساعدة "لبنان الإيراني"، والغضب الأمريكي من هذا لبنان نفسه، والتمهّل الأوروبي في إعطاء قبلة الحياة لحكومة يبدو أنّها تفضّل كذلك، سمّ إيران، على عسل الحلول الغربية والعربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة