عندما عاش عبدالحسين عبدالرضا بلا طائفية وبلا عنصرية وأحب الناس وأحبوه كان يتصرف تصرف الأسوياء.. لم يكن هذا السلوك من ابتكاره
كثير من الأطروحات التي عبرت عن حزنها على فقيد الفن العربي الفنان عبدالحسين عبدالرضا وصفته بالاعتدال والتسامح واللاطائفية.. قد يرى البعض أن هذا صحيح وهو صحيح ولكن أين تقع خطورة هذه الصحة؟
مناقب الإنسان التي تذكر هي الأعمال التي يتميز بها دون غيره أو يتميز بها مع قلة من غيره.. الفنان عبدالحسين عبدالرضا فنان وممثل قدم أعمالا عظيمة هي التي أسهمت في رفعته وتقدير الناس له وأدخلته كل بيت..
من سينسى درب الزلق، وعلى هامان يا فرعون، والأقدار وغيرها؟! هذه المناقب العظيمة تكفيه مجدا ومحبة، أما في الشأن الأخلاقي أو الإنساني فتحسب للإنسان أعماله التي شذ بها عن أقرانه، كأن يتبرع بنصف ماله للفقراء والجمعيات, أو أن يؤسس تجمعا لمساعدة المحتاجين أو أن يذهب للدول المنكوبة ويمد يد المساعدة.. وهي أشياء لا يفعلها الإنسان كعادة وكجزء من سلوكه الطبيعي كالتناسل والأكل والشرب والميل الفطري للسلام.
عندما عاش عبدالحسين عبدالرضا بلا طائفية وبلا عنصرية وأحب الناس وأحبوه كان يتصرف تصرف الأسوياء.. لم يكن هذا السلوك من ابتكاره.. هكذا خلق الله الإنسان.
الطائفية والعنصرية تدخل في باب الجرائم الكبرى.. مرتكبها يجرم ويجب أن يعاقب لا أن يكافأ تاركها بالمديح والإطراء.
بلغ طغيان الطائفيين والعنصريين على الإعلام حتى ظننا أنهم الأصل والمسالمين أرواح نادرة نتغنى بوجودها بيننا.. يستحقون مديحنا لأنهم كفوا عن ارتكاب الجريمة.. هل بلغ بنا سوء الحال أن نتخيل أن المجرمين داخل السجن أصبحوا الأكثرية والشرفاء الأسوياء خارج السجن أقلية تستحق الشكر والتبجيل؟!
إحساسنا هذا سيقودنا إلى أخطار كبيرة. اعتادت المجتمعات أن تكون الأغلبية هي التي توصف بالطبيعية بغض النظر عن الحقيقة.. من طبائع الناس أن تميل إلى تبني رأي الأغلبية دون اختبار.. لا يريد الإنسان أن يتعب في تحديد أخلاقه وقيمه.. يترك للأكثرية عمل ذلك نيابة عنه.. سلوك التبعية والقطيع.
في الماضي سادت العنصرية في أميركا حتى ظن الناس أن العنصرية هي الأصل في السلوك الإنساني. تحولت بفعل ضغط الأغلبية وتواطؤ بعض رجال الدين إلى حقيقة.
آمن الإنسان الأبيض وكثير من السود أن العنصرية أمر فطري.
هذا ما يأخذنا إليه دعاة الطائفية.. لا يدفعوننا إلى الحقد الطائفي فقط ولكن يريدون أن نتعبد بالكراهية.. عندما نضع لاطائفية الإنسان ضمن مناقبه نعترف ضمنا أن الأغلبية طائفية.. هذا ما يريد أن يحققه الطائفيون.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة