أمن أوكرانيا.. ابتكارات محلية تسد فراغ الضمانات الغربية

منذ عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، سعى المسؤولون الأوروبيون لصياغة اتفاق سلام ملائم لأوكرانيا.
ووسط المخاوف من أن يؤدي تغيير الأولويات الأمريكية إلى حرمان أوكرانيا من مصدر دعم أساسي، تسعى أوروبا لتوفير ضمانات أمنية فعالة لكييف.
وحتى الآن تضمنت المقترحات بشأن الضمانات الأمنية عددا قليلا من الإجراءات مثل نشر عدد صغير من القوات الأوروبية في أوكرانيا وفرض عقوبات إضافية على روسيا، وتزويد كييف بمزيد من الأسلحة خاصة التقليدية والالتزام، نظريًا، بالدفاع عن أوكرانيا.
وسيدخل معظم هذه المقترحات حيز التنفيذ بعد وقف إطلاق النار ورغم مزاياها فإنها غير كافية لضمان أمن أوكرانيا وذلك وفقا لما ذكره وزير الدفاع الأوكراني الأسبق ورئيس مركز استراتيجيات الدفاع وزميل متميز في المجلس الأطلسي وزميل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أندري زاغورودنيوك في تحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية.
وفي الوقت الحالي، يشعر بعض المحللين الأمريكيين والأوروبيين بالتشاؤم من قدرة أوكرانيا على وقف الحرب خاصة في ظل سنوات من تسليح دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) لكييف دون نتيجة حيث تحقق روسيا مكاسب متزايدة.
لكن أوكرانيا لا تحتاج إلى تدمير كل عنصر من عناصر الجيش الروسي لحرمانه من قدرته على تحقيق أهدافه خاصة أن الحرب اليوم تدار بواسطة استخدام أقل للمعدات العسكرية التقليدية واستخدام أكبر للتقنيات الأحدث والأرخص والتي ساهمت كييف في ابتكار بعضها.
لذا، يتعين على أوروبا أن تتوقف عن التركيز على القدرات التقليدية أو على وضع ضمانات أمنية مكتوبة لأوكرانيا وبدلًا من ذلك، ينبغي عليها إغراق البلاد بتقنيات أكثر تطورًا والاستثمار بكثافة في صناعة الدفاع المتطورة في البلاد، والتعاون مباشرة مع كييف في مسائل التصنيع العسكري والدفاعات الجوية.
هذه الإجراءات قد تكون شاقة بالفعل، لكنها ليست أكثر صعوبة من جهود الناتو الحالية لمساعدة أوكرانيا كما أنها السبيل الوحيد لإحلال السلام.
وخلال القرن الماضي لم تُحقق الضمانات الأمنية فائدة حقيقية إلا عندما خلقت دروعًا ملموسة وبعد سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم في 2014 بدأت الولايات المتحدة وأوروبا بتزويد كييف بالمساعدات الدفاعية، وفي النهاية الهجومية لكن لم تظهر دول الناتو أي جدية في تسليح أوكرانيا إلا في أواخر 2021.
ومنذ اندلاع الحرب نجحت أوكرانيا في بعض الحالات في الانتصار على روسيا مثل معركة البحر الأسود حين حاصر الأسطول الروسي الموانئ الأوكرانية قبل أن ينجح الجيش الأوكراني في إنهاء هذا الحصار جزئيا بحلول خريف 2023 من خلال مسيرات بحرية وصواريخ دقيقة وقنابل جوية.
كما جعلت دفاعات أوكرانيا المبتكرة من المستحيل على روسيا تحقيق التفوق بداية من عملية "شبح كييف" في الأيام الأولى للحرب واعتراض كييف للمسيرات الروسية ودفعها خارج المجال الجوي وصولا لعملية "شبكة العنكبوت" في يونيو/حزيران الماضي حين استخدمت مسيرات لتدمير قاذفات روسية.
ولتفادي التهديد الروسي، لا تحتاج أوكرانيا إلى قتل كل جندي روسي بدلًا من ذلك، يمكنها شل الجيش الروسي من خلال استهداف وظائف أساسية مثل اللوجستيات والتنسيق والقدرة على الحركة والقوة النارية.
ووفقا للتحليل فإن أوكرانيا أقرب إلى شلّ روسيا مما يعتقده معظم الناس بفضل المسيرات والألغام البعيدة، والمدفعية الدقيقة، والمراقبة المستمرة التي حولت مساحاتٍ واسعة من الجبهة إلى مناطق يصعب فيها على روسيا المناورة دون أن تُكتشف وتُضرب على الفور.
وإذا استطاعت أوكرانيا توسيع هذه المناطق من خلال مراقبة المزيد من الأراضي والهجوم خلف خطوط روسيا الأمامية الحالية وحرمان موسكو من القدرة على الحشد في الخطوط الخلفية وهو ما سيجعل الهجمات الروسية المستقبلية عقيمة استراتيجيًا، وبالتالي لا تستحق المحاولة.
ولتحقيق النجاح، ستحتاج أوكرانيا إلى المزيد من المسيرات والأسلحة المتطورة، وهو ما يعني تغيير الناتو لافتراضاته وأولوياته فعندما اندلعت الحرب، كان من المنطقي إمداد كييف بالأسلحة التقليدية لكن مع تطور البيئة العملياتية، أصبحت العديد منها قديمة إلى حد كبير.
وتمتلك أوروبا موارد مالية وقدرات علمية وقاعدة صناعية لا تضاهيها روسيا إذا استخدمتها فقد تساعد الجيش الأوكراني على تطوير وإنتاج العديد من الأنظمة الدقيقة بعيدة المدى المتطورة وبأسعار معقولة بما في ذلك الصواريخ والمسيرات ومعدات الاتصالات ومعدات تحديد المواقع والاستهداف والدفاعات الجوية وأنظمة الحرب الإلكترونية.
وبالفعل اتخذت القارة خطوات جادة في هذا الاتجاه من خلال عدة برامج لتوجيه الأموال إلى مصانع الصناعات الدفاعية الأوكرانية كما أبرمت كييف اتفاقيات ثنائية لزيادة إنتاجها من المسيرات والذخيرة ولكن يجب توسيع هذه الشراكات وأن تنفق أوروبا المزيد مع التركيز على تسريع التصميم والاختبار والتوسع.
وهناك أيضا "درع السماء الأوروبية لأوكرانيا" وهي مبادرة اقترحتها مجموعة من الخبراء العسكريين الدوليين والأوكرانيين بموجبها، تُنشئ مجموعة من الدول الأوروبية منطقة حظر جوي، تبدأ فوق الأراضي الأوكرانية الغربية، ثم فوق وسطها.
وستحشد الدول المشاركة نحو 120 طائرة مقاتلة، تُقلع من قواعد أوروبية وتُسقط الصواريخ والمُسيّرات فوق المنطقة المُغطاة بالإضافة إلى حماية البنية التحتية والاقتصاد الأوكراني.
ومع ذلك سيتعين على الناتو أيضًا مواصلة تزويد كييف ببعض الأسلحة التقليدية مثل مقاتلات إف-16 وصواريخ "أتاكمز" الأمريكية بعيدة المدى وصواريخ "ستورم شادو" البريطانية.
كما ينبغي على حلفاء أوكرانيا تخصيص مخزونات معينة من الذخيرة والمسيرات وقطع الغيار الموجودة في أوروبا الشرقية لأوكرانيا.
ويجب على الولايات المتحدة مواصلة تزويد كييف بالاستخبارات العسكرية، التي كانت لا غنى عنها لتتبع تحركات القوات الروسية وضرباتها الصاروخية.
أخيرا فإن الدرس المستفاد من أوكرانيا واضح وهو أن الضمانات الأمنية المهمة هي التي تُشكّل ساحة المعركة عمليًا. كما أن منح كييف ما تحتاجه لا يُساعدها فحسب بل يحمي دول أوروبا والناتو من أي هجوم روسي محتمل.