حكومة السودان الجديدة.. تفاؤل يكسر قتامة المشهد
وسط واقع أقل أن يوصف بالمظلم، أتى إعلان الحكومة السودانية الجديدة التي تنعقد عليها الآمال لتشكل طوق نجاة ومفتاحا لعلاج الأزمات.
ورغم قتامة المشهد وعظمة التحديات، ثمة من يتفاءل بقدرة التركيبة الوزارية، في تحقيق اختراقات إيجابية بشأن المشكلات التي يعانيها السودان، خاصة فيما يتعلق بالضائقة الاقتصادية.
ويرجع هذا التفاؤل- بحسب خبراء- إلى أن الحكومة الجديدة ستعمل على تنفيذ برنامج محدد ومحكم، يشمل 5 محاور وفق ما أعلنه رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وهي علاج المشكلة الاقتصاد وتنفيذ اتفاق السلام واستكماله، وتحقيق العدالة، وخلق علاقات خارجية متوازنة.
وإلى جانب ذلك، يشير الخبراء إلى أن الحكومة جاءت متنوعة وتضم مكونات مختلفة يمثلون كل أنحاء السودان، إذ يشارك فيها قادة الكفاح المسلح لأول مرة، إضافة لقوى الحرية والتغيير والمكون العسكري.
وجاء التشكيل الوزاري في وقت يشهد فيه السودان تدهورا اقتصاديا غير مسبوق وتدني الأحوال المعيشية، بعد غلاء فاحش في الأسعار، ونقص في السلع الضرورية كطحين الخبز والوقود وغاز الطهي.
وتجلت الأزمة الاقتصادية التي تأتي في مقدمة تحديات الحكومة الجديدة، في ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 255%، وتراجع قيمة العملة المحلية، إذ بلغ الدولار الواحد 420 جنيها في تعاملات السوق السوداء، بجانب ديون خارجية تفوق 64 مليار دولار أمريكي.
وتزامن التشكيل الوزاري أيضا مع تراجع في الوضع الأمني بالسودان وبروز بعض التوترات في الولايات لاسيما الصراعات القبلية التي أثارت قلق الدولة، وهو ما يشكل بدوره تحديا للحكومة الجديدة.
وأيضا تمثل التوترات الحدودية مع إثيوبيا وملف سد النهضة، واستكمال عملية السلام، تحديات كبيرة تستلزم العمل عليها وحلها بواسطة الحكومة الجديدة.
وقال المحلل السياسي عباس التجاني إن "إعلان الحكومة الحالية في ثان تعديل بعد التغيير، يمثل بداية العد التنازلي الفعلي لاستكمال الانتقال الديمقراطي، ويجب العمل بقوة من الطاقم الجديد لهزيمة التحديات".
ورغم تأمينه على خطورة الوضع الاقتصادي، إلا أن التجاني أشار في حديثه لـ"العين الإخبارية" إلى ضرورة إعطاء استكمال عملية السلام بالتوقيع مع حركتي عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد نور أولوية قصوى، بجانب اهتمام مماثل بالتوترات في الولايات وتشكيل المجلس التشريعي الذي يمثل نواة الانتقال.
وأضاف أنه "يجب أن تعمل أجهزة الدولة خاصة الأمنية والعدلية على ترسيخ مبدأ الديمقراطية، وتحقيق الاستقرار لأن التوترات في الولايات تهدد بقيام حرب جديدة خاصة في دارفور".
وشهدت ولايات غرب وشمال وجنوب دافور اشتباكات دامية الأسابيع الماضية، خلفت مئات القتلى والجرحى، كما بدت مظاهر تفلتات أمنية بمدن الأبيض والقضارف وبورتسودان.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية إبراهيم كباشي أن التنوع الذي شهدته الحكومة الجديدة بمشاركة مكونات مختلفة، يمثل مفتاحا للنجاح في معالجة الأزمات الماثلة، شريطة أن تعمل بتناغم وتبتعد عن المشاكسات.
وطالب كباشي في حديث لـ"العين الإخبارية" بضرورة أن "تعمل الحكومة بروح الفريق الواحد لتتمكن من تجاوز التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية بالداخل، وتحقيق اختراقات في العلاقات الخارجية يعود بالنفع للسودان".
وأشار إلى أنه "يجب أن يكون هذا التنوع مصدر قوة ويجب إعطاء ملفات السلام والاقتصاد وهيكلة الأجهزة الأمنية بما يتماشى مع أهداف الثورة أولوية".
وضم التشكيل الجديد للحكومة السودانية 26 وزارة منها 17 من نصيب قوى الحرية والتغيير و7 للجبهة الثورية، ووزارتان للمكون العسكري.
واحتفظ 5 وزراء بمواقعهم في الحكومة الجديدة، التي جاءت بوجوه جديدة في حقائب مهمة كالمالية والاستثمار والداخلية والنفط، بجانب شخصيات تمثل غالبية القوى الفاعلة في المشهد السياسي السوداني.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي عادل عبدالمنعم إن "قدر الحكومة الجديدة أن تواجه التركة الثقيلة التي خلفها نظام الإخوان البائد في الاقتصاد والذي يواجه تدهورا مريعا انعكس على الأحوال المعيشية".
وشدد عبدالمنعم خلال حديثه لـ"العين الإخبارية" على "ضرورة أن تمضي الحكومة الجديدة قدما في إنفاذ السياسات الاقتصادية التي بدأتها سابقتها وقطعت فيها شوطا يقدر بنحو 80%، وهذا يمثل المدخل السليم لعلاج الأزمة".
عبدالمنعم أضاف أنه "تم تحرير سعر الوقود، وإنشاء محفظة للسلع الاستراتيجية، وهذه خطوة ممتازة يجب أن تستمر وتتبع بقرارات جديدة تقضي بوقف الاستيراد لمدة 6 أشهر على الأقل".
لكنه أشار لضرورة تبني خطة عاجلة من الحكومة الحالية لمعالجة قضية سعر الصرف وارتفاع معدل التضخم الذي وصل لمستوى مخيف، مما كان له الأثر البالغ على الأوضاع المعيشية.