أردوغان يعيش أزمة حصار سياسي فرضه على نفسه، ودفع ثمن فاتورة اختيارات سياسية معقدة
يعيش رجب طيب أردوغان أزمة حصار سياسي فرضه على نفسه، ودفع ثمن فاتورة اختيارات سياسية معقدة، انتهت إلى أنه أصبح اليوم أمام احتمالين: إما أن يخسر الأمريكان أو يخسر الروس.
إذا خسر الأمريكان فسوف يسببون له متاعب داخلية بسبب العلاقة العضوية التاريخية بين المؤسسة العسكرية التركية ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) وجهاز استخبارات وزارة الدفاع.
وإذا خسر الروس فإنه سوف يخسر أي دور يحلم به في سوريا، وسوف ينفرط عقده الثلاثي «تركيا، إيران، روسيا» وتضيع منه فرصة لعب دور إقليمي.
إذا اشترى صواريخ «إس 400» الروسية الصنع فقَدَ الرضا الأمريكي ومقاتلات «إف 35»، وإذا اشترى الباتريوت الأمريكي فقَدَ الروس بعد أن وعدهم علنا بشراء سلاحهم، وحدد موعد تركيب منظومتهم على أراضي بلاده.
أزمة أردوغان مثل أزمة قطر، وهي نظرية الاعتقاد بأنك تستطيع أن تكون مع «ألف» و«باء» في آن واحد، أو في خندقين متقاتلين في آن واحد، أو ترتدي فانلة ريال مدريد وبرشلونة فوق بعضهما في آن واحد
الأمريكي لن يقبل بشراء السلاح الروسي، والروسي لن يمرر إهانة أن يتنازل أردوغان عن صفقة الـ«إس 400».
استحكمت الأزمة بين موسكو وواشنطن، وبين «كرامة وسمعة التسليح» لدى مؤسسات البلدين، وأصبح على الرئيس التركي أن يختار أحدهما ويدفع ثمن خسارته للآخر.
كارثة منهج أردوغان الكبرى، وأزمته السلوكية والفكرية، هي أنه يعتقد أنه أذكى من الجميع.
أزمة أردوغان أنه يعتقد أنه يستطيع أن يفعل الشيء ونقيضه في آن واحد، وينجو تماماً من أي رد فعل.
أزمة أردوغان أنه يعتقد أنه يستطيع أن يحصل على صواريخ الـ«إس 400» الروسية دون أن يخسر مقاتلات الـ«إف 35» الأمريكية.
أزمة أردوغان مثل أزمة قطر، وهي نظرية الاعتقاد بأنك تستطيع أن تكون مع «ألف» و«باء» في آن واحد، أو في خندقين متقاتلين في آن واحد، أو ترتدي فانلة ريال مدريد وبرشلونة فوق بعضهما في آن واحد.
السياسة اختيارات، وهي أيضاً توازنات، ولكن في لحظة تاريخية ما عليك أن تختار.
الآن.. لحظة الصدق وتسديد فواتير السياسات الانتهازية الخاطئة تاريخياً حلّت على أردوغان، وسماء أنقرة الآن ملبدة بسحب عاصفة تراكمت منذ أكثر من 20 عاماً من سياسات غطرسة القوة ومحاولة التحايل واللعب على كل الحبال.
لا يمكن لك أن تسعى إلى أن تكون عضواً في الاتحاد الأوروبي وتهاجم ليل نهار قيم الحضارة الأنجلوساكسونية.
لا يمكن أن تدافع عن الحريات وأنت تسجن وتعتقل أكثر من 150 ألف مواطن تركي في أقل من عامين.
لا يمكن أن تتكلم عن احترام سيادة الأراضي وقواتك غزت العراق وشمال سوريا عدة مرات.
لا يمكن أن تتحدث عن إيواء اللاجئين وبضائعك التركية وعملتك تفرض نفسها قهراً في شمال سوريا.
باختصار، لقد أصبح أردوغان عبئاً على المصالح التركية، وتركيبة الحكم، وحلفائه وخصومه في آن واحد.
وسواء استمر يوماً أو شهراً أو عاماً إضافياً فإننى أستطيع أن أقول إن سياسته هذه تعني أنه قد ترك الحكم، حتى وإن لم يُخلِ مقعده بعد.
هذا هو درس التاريخ.. ويا له من معلم.
نقلا عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة