«المفاعلات النووية».. سباق جيوسياسي تتصدره الصين وأمريكا تكافح

يشهد العالم نوعًا جديدًا من السباق العالمي للسيطرة على سوق الطاقة النووية العالمية، بعد أن عادت "ثقافة المفاعلات" بقوة للمشهد.
وكانت الطاقة النووية دائما محفوفة بالمخاطر. لكن العقد الماضي، شهد عودة قوية للطاقة النووية بفضل تطوير المفاعلات النووية المعيارية الصغيرة، وفقا لما ذكرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية.
والآن، تتصدر روسيا سباق بناء محطات الطاقة النووية وتقوم شركة الطاقة النووية المملوكة للدولة "روساتوم"، ببناء 6 مفاعلات محلية جديدة، وتساعد في بناء 19 مفاعلًا في 6 دول أجنبية.
وخلال السنوات العشر الماضية، وقّعت الصين، عقودًا للمساعدة في بناء 9 مفاعلات في 4 دول، إضافة لتوسع غير مسبوق في صناعتها المحلية.
وسارعت روسيا والصين إلى استيعاب إمكانات المفاعلات النووية المعيارية الصغيرة، التي يمكنها توليد ثلث الطاقة التي تنتجها المحطات النووية التقليدية لكن يمكن نشرها بسرعة في المناطق التي تفتقر إلى سعة شبكة كهربائية مرنة، كما أن تصميمها المعياري يجعلها في متناول الجميع.
ومع تزايد الحاجة إلى مصادر طاقة جديدة بأسعار معقولة، سارعت الصين وروسيا لتلبيتها بصادرات الطاقة النووية مع استهداف الدول النامية، مما قد يؤدي إلى تحول في المشهد العالمي للطاقة وتغيير موازين القوى الجيوسياسية.
وسابقا، هيمنت الولايات المتحدة على تطوير التكنولوجيا النووية، لكنها تخلت عن القيادة منذ سبعينيات القرن الماضي، بسبب المعارضة الشعبية وارتفاع التكاليف والتحديات التنظيمية، والآن تدفع الثمن.
"شريك مؤثر"
ونظرا لتزايد الحاجة للكهرباء لتشغيل الذكاء الاصطناعي، ورغبة الدول النامية في الحصول على الطاقة، فإن الدول القادرة على تصدير المفاعلات النووية الصغيرة بسرعة وبتكلفة معقولة ستصبح شريكا مؤثرا وبالفعل تستغل الصين وروسيا استثماراتهما النووية في الخارج لتعميق نفوذهما الاقتصادي والسياسي.
ووفق المجلة، يجب على الولايات المتحدة الآن تحديث إطارها التنظيمي الذي يحكم تراخيص المفاعلات، وإعادة توجيه الاستثمار الفيدرالي نحو صناعة المفاعلات النووية الصغيرة والتنسيق مع حلفائها في أوروبا وآسيا لتنويع سوق الطاقة النووية المتقدمة.
وفي يوليو/تموز الماضي، وقّعت جمهورية الكونغو الديمقراطية مذكرة تفاهم مع روسيا لاستكشاف الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وتدرس أوغندا الدخول في شراكة مع روسيا لبناء أول محطة طاقة نووية لها.
وخلال الشهر الجاري، بدأت "روساتوم" أعمال الموقع التحضيري لبناء محطة طاقة نووية في أوزبكستان، والتي ستكون أول مفاعل نووي في آسيا الوسطى وأول مفاعل نووي صغير تصدره روسيا كما تعمل الوكالة النووية على مشروع نووي في بنغلاديش.
أما الصين، فوقّعت خلال السنوات الـ15 الماضية اتفاقيات للطاقة النووية مع الأرجنتين والمجر ونيجيريا وباكستان.
أول مفاعل
كانت روسيا قد نشرت أول مفاعل نووي صغير تجاري في العالم عام 2020، فيما يُعد مفاعل الصين عالي الحرارة المُبرد بالغاز، والذي بدأ تشغيله عام 2023 الأول من نوعه في حين تسعى دول أخرى لدخول هذا المجال.
وعلى عكس الشركات الخاصة التي تعمل في مجال الطاقة النووية، فإن المؤسسة الوطنية الصينية للطاقة النووية وشركة روساتوم الروسية مملوكتان للدولة، وتستفيدان من سلسلة توريد تجمع بين التصنيع والبناء والتزويد بالوقود، بالإضافة إلى تبسيط عمليات صنع القرار مما يتيح بناء المفاعلات بسرعة وبتكاليف منخفضة نسبيًا.
وتعتمد الصناعة النووية في البلدين على آلاف الكوادر ذات المهارات العالية التي تعمل بسرعة ملحوظة كما عززت الدولتان إجراءات ترخيص بناء المفاعلات بكفاءة أعلى دون المساس بالسلامة.
وقدّر معهد أبحاث الطاقة التابع للجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين أن بكين يجب أن تستثمر أكثر من 1.3 تريليون دولار أمريكي بحلول 2050 وخصصت روسيا أكثر من 26 مليار دولار أمريكي لمشاريع نووية محلية، وتقدم حزم تمويل صادرات بمليارات الدولارات.
وغالبًا ما تغطي كل من المؤسسة الوطنية الصينية للطاقة النووية وروساتوم ما يصل إلى 85% من تكاليف المشروعات الخارجية على شكل قروض بأسعار فائدة مناسبة وكلاهما يقدم عقود "بناء وتملك وتشغيل"، أو اتفاقيات تسمح لهما بامتلاك المفاعلات لفترة محددة.
وتوفر أحجام وأشكال المفاعلات النووية الصغيرة المتنوعة مرونة أكبر، مما يسمح لها بتلبية احتياجات طاقة أقل وتطبيقات أكثر تخصصًا في مجموعة أوسع من المواقع الجغرافية كما أن جداول بنائها السريعة تسمح للدول بتجاوز العديد من التحديات المالية واللوجستية الشاقة لبناء محطات الطاقة النووية التقليدية.
وتستطيع المفاعلات النووية الصغيرة القيام بوظائف لا تستطيع محطات الطاقة النووية التقليدية القيام بها مثل توليد حرارة عملية للتطبيقات الصناعية، مثل صناعة الصلب وإنتاج الأمونيا للأسمدة.
منافسة
ويشكك بعض المحللين في حداثة المفاعلات النووية الصغيرة، لكن الصين وروسيا تعتقدان أنها ستُحدث نقلة نوعية في سوق الطاقة.
وتأمل بكين في تصدير 30 مفاعلًا إلى الدول الشريكة في مبادرة الحزام والطريق بحلول 2030 وتهدف روسيا إلى الاستحواذ على 20% من سوق المفاعلات النووية الصغيرة.
وتُسهّل حزم التمويل الروسية والصينية الوصول إلى الطاقة النووية، لكن الاتفاقيات مع الدول النامية تخاطر بخلق اعتماد طويل الأمد، مما يضمن بقاء الدول المشترية مدينة لهما.
ووقّعت شركة "نوسكيل باور" الأمريكية اتفاقيات لنشر مفاعلات نووية صغيرة في غانا ورومانيا، لكنها لا تزال في مراحل التخطيط. فيما تساعد شركة "وستنجهاوس" الأمريكية بولندا في بناء أول محطة طاقة نووية لها لكنها جهود متأخرة كثيرًا عن جهود بكين وموسكو.
ولا يوجد سبب يمنع الولايات المتحدة وحلفائها من منافسة روسيا والصين لكن الإدارة الأمريكية تتحمل بعض المسؤولية بسبب قوانين التصدير التي تضع حواجز باهظة أمام الدول المهتمة بشراء المفاعلات الأمريكية مثل توقيع اتفاقية تعاون في مجال الطاقة النووية السلمية ومطالبة الشركاء بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم.
وهناك أيضا عدم الكفاءة التنظيمية الأمريكية حيث تستغرق لجنة التنظيم النووي الأمريكية 5 سنوات أو أكثر للموافقة على مشروع مفاعل وتفرض هياكل رسوم مرهقة على المتقدمين، وفق المجلة.
والولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة المتخلفة عن الركب فالقوى الكبرى الأخرى ذات الصناعات النووية المتقدمة لم تبذل جهودًا كافية لتوفير التمويل الميسر ونماذج المشروعات الجاهزة التي تحتاجها الدول النامية.
ويتطلب الحفاظ على التوازن الجيوسياسي في سوق الطاقة النووية من الولايات المتحدة وحلفائها تبني استراتيجيات أكثر تنافسية، لا سيما فيما يتعلق بالمفاعلات النووية الصغيرة.
aXA6IDE4LjExNi4yMC40NCA= جزيرة ام اند امز