إعادة تشكيل مستقبل الطاقة النووية.. رهان فرنسي-بريطاني في أوروبا

رأى خبراء اقتصاديون فرنسيون أن فرنسا تسعى لفرض شروط واضحة على المملكة المتحدة لدعم المشاريع النووية المشتركة، في خطوة تعكس تصاعد الرهانات الاقتصادية والسياسية حول مستقبل الطاقة في أوروبا بعد الأزمات الأخيرة.
في هذا السياق، يرى الباحث الاقتصادي الفرنسي في مركز IFRI للأبحاث، جان-لوك بلانشار لـ"العين الإخبارية"، أن "الموقف الفرنسي يعكس تحركًا مدروسًا لإعادة توزيع المخاطر المرتبطة بالاستثمارات النووية"، مضيفًا أن "تحمل بريطانيا جزءًا من المسؤوليات المالية أمر منطقي نظرًا للفوائد الاستراتيجية المشتركة للطرفين".
أما الباحثة الاقتصادية في معهد "مونتين" الفرنسي، كلير دوماي، فتؤكد لـ"العين الإخبارية" أن "أي تأخير في هذا الملف ستكون له تبعات مباشرة على مشاريع الطاقة البديلة وخطط إزالة الكربون في المملكة المتحدة"، مشيرةً إلى أن "باريس تسعى إلى حماية مصالح EDF الوطنية، ولكنها تدرك أيضًا أن نجاح هذه المشاريع يعزز مكانة الصناعة النووية الفرنسية كقوة قائدة في أوروبا".
في ظل غياب رد واضح من لندن، تبقى باريس مصممة على انتزاع التزام رسمي. ويبدو أن مستقبل الشراكة النووية بين البلدين سيكون مرهونًا خلال الأشهر المقبلة بقدرة كل طرف على تقديم تنازلات وحسم الملفات المالية بسرعة، تحت ضغط الحاجة الملحة لتأمين انتقال طاقي مستدام في أوروبا.
وخلال زيارة رسمية إلى لندن هذا الأسبوع، في إطار قمة أمن الطاقة، التي نظمتها الوكالة الدولية للطاقة، استغل وزير الطاقة الفرنسي، مارك فيرّاتشي، المناسبة للضغط على السلطات البريطانية.
وطالب فيرّاتشي لندن بـ"تحمل مسؤولياتها" والمساهمة بفعالية في إغلاق ملف التمويل المتعثر لمشاريع إنشاء أربعة مفاعلات نووية جديدة من طراز EPR (مفاعلات الضغط الأوروبي) التي تسعى شركة الكهرباء الفرنسية "EDF" لإطلاقها على الأراضي البريطانية.
باريس تطلب وضوحًا: "لا مجال للتأجيل"
وبحسب تصريحات الوزير الفرنسي، فإن فرنسا ترى أنه لا يمكن المضي قدمًا في هذه المشاريع دون التزام بريطاني واضح، معتبرًا أن الوقت قد حان لـ"مقاربة تبادلية عادلة"، حيث تنتظر باريس من حكومة كير ستارمر الجديدة أن تعلن دعمها المالي الكامل أو الجزئي لهذه المشروعات، أسوة بما تقدمه باريس لمشاريع الطاقة الاستراتيجية عبر أوروبا.
حتى الآن، لم تصدر الحكومة البريطانية أي رد رسمي على هذا الطلب، مما يعزز القلق في باريس من أن يؤدي غياب الحسم إلى تعطيل خطط التحول الطاقي التي يعتبر التعاون النووي الفرنسي البريطاني جزءًا محوريًا منها.
- الفقر في فرنسا.. قلق متصاعد وأرقام تثير الجدل
- تمرد المراقبين في السكك الحديدية الفرنسية.. هل النقابات خلف كواليس الغضب؟
المشاريع النووية: ركيزة بخطة فك الاعتماد عن الوقود الأحفوري
تراهن باريس ولندن على مشاريع المفاعلات النووية الجديدة لدعم مسار إزالة الكربون من قطاع الطاقة خلال العقود المقبلة. ويُعد استكمال بناء هذه المفاعلات ضروريًا لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات وضمان أمن الطاقة، خاصةً مع التحديات الناجمة عن تقلبات سوق الغاز والأسواق العالمية.
EDF، التي تدير المشروع، بحاجة إلى ضمانات تمويلية إضافية لتأمين الجدوى الاقتصادية للمنشآت الجديدة، بعد سلسلة من التكاليف الإضافية التي شهدتها مشاريع نووية سابقة مثل "Hinkley Point C".