توغو تصعد اقتصادياً.. ميناء صغير يقلب معادلات غرب أفريقيا

قال خبراء اقتصاد فرنسيون في مراكز بحثية مرموقة إن التحولات الجيوسياسية الإقليمية في منطقة الساحل دفعت بدولة توغو إلى صدارة المشهد الاقتصادي في غرب أفريقيا، بعدما كانت تلعب دوراً هامشياً في السابق.
بحسب الباحث الاقتصادي الفرنسي باتريس دولاهاي، المتخصص في الاقتصاد الأفريقي بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS)، في تصريحات لـ"العين الإخبارية" فإن "ميناء لومي استفاد من ديناميكيات جديدة فرضتها أزمة النيجر والإغلاق الحدودي مع نيجيريا، ليتحول إلى نقطة ارتكاز رئيسية لصادرات واستيراد دول الساحل".
من جهته، قال الخبير في الاقتصاد الكلي في مركز التحليل المستقبلي CÉRI، أوليفييه مونتيلييه لـ"العين الإخبارية"، إن "استراتيجية توغو القائمة على تنويع الاقتصاد وتطوير قطاعي التصنيع والنقل، تضع البلاد على مسار نمو مستدام ومغاير للنموذج الريعي التقليدي في المنطقة".
هذه الآراء جاءت في وقت رفعت فيه وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز" تصنيف توغو من "B" إلى "B+"، مشيدة باستقرارها النقدي وتطور بنيتها التحتية، وخصوصًا الدور الإقليمي المتعاظم لميناء لومي في خريطة التبادلات التجارية لغرب أفريقيا.
بالاستناد إلى تقرير حديث أوردته وكالة التصنيف الائتماني الأمريكية "ستاندرد آند بورز"، يشهد اقتصاد توغو تحسنًا ملحوظًا، مدفوعًا بإعادة رسم التحالفات التجارية الإقليمية التي أفرزتها تطورات مجموعة دول الساحل (AES)، والتي تضم النيجر ومالي وبوركينا فاسو.
بروز توغو بفضل تحولات جيوسياسية
عقب الانقلاب في النيجر صيف 2023، أغلقت دول الجوار، مثل بنين ونيجيريا، حدودها مع نيامي، مما عطّل أحد المحاور التجارية الأساسية نحو المحيط الأطلسي. هذا الوضع أجبر السلطات الجديدة في النيجر على إعادة توجيه علاقاتها الاقتصادية واللوجستية، لتبرز في هذا السياق أهمية ميناء لومي في توغو، الذي تحول إلى ركيزة استراتيجية جديدة لتجارة دول AES.
- رسوم ترامب تُهدد مكانة «صُنع في فرنسا» في الأسواق الأمريكية
- فول الصويا الأمريكي.. جبهة جديدة تفتحها الصين في حرب التجارة
لومي.. محور إقليمي نشط
ميناء لومي -عميق المياه- لم ينتظر الأزمة الأخيرة ليعزز مكانته؛ فبفضل استثمارات امتدت لأكثر من عقد، تضاعفت قدرته على معالجة البضائع ثلاث مرات. سنة 2023، تجاوز حجم التبادل عبر الميناء 30 مليون طن، مما عزز موقعه كمحور تجاري أول في غرب أفريقيا.
وتستفيد الدول غير الساحلية مثل النيجر ومالي وبوركينا من هذا التحول، حيث أصبحت لومي بوابة موثوقة ومنظمة لعبور السلع.
وفي هذا السياق، ترى وكالة S&P أن الموقع المركزي لتوغو في خارطة اللوجستيات الإقليمية ساهم في تعزيز جاذبيتها الاقتصادية، لدرجة أن ذلك بدأ يُغيّر من نظرة الأسواق المالية إلى أسسها الاقتصادية.
تنويع اقتصادي مدروس
إلى جانب النشاط اللوجستي، يُواصل الاقتصاد التوغولي الاستفادة من صادراته التقليدية، لاسيما القطن والفوسفات، التي توفر عائدات كبيرة رغم تقلبات الأسواق العالمية. غير أن اللافت هو تسارع الاستثمارات في قطاع الصناعات التحويلية، من خلال تطوير مناطق صناعية مدعومة ببنية تحتية حديثة، بهدف تعزيز قيمة المنتجات المحلية وخلق فرص عمل.
وتشير S&P إلى أن هذه الاستراتيجية تسهم في تقليص الاعتماد على الأسعار العالمية، وتمنح مناخًا استثماريًا أكثر استقرارًا، لا سيما مع محافظة البلاد على معدلات تضخم معتدلة مقارنة بجيرانها.
تصنيف ائتماني أفضل وثقة متجددة
بناءً على هذه التطورات، قررت S&P رفع التصنيف السيادي لتوغو من "B" إلى "B+"، ما يعكس انخفاضًا في مستوى المخاطر المالية وتقديرًا للسياسات الاقتصادية المعتمدة. ويتوقع أن تسجل البلاد نموًا اقتصاديًا بنسبة 6% خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهي نسبة لافتة في منطقة تتسم عادة بعدم الاستقرار.
توغو.. نموذج لمعادلات جديدة في أفريقيا
ما يحدث في توغو ليس استثناءً. بل هو جزء من تحول إقليمي أوسع، حيث تستفيد بعض الدول من التحالفات الناشئة مثل AES، لإعادة تموضعها الاقتصادي. ويبرز نموذج لومي كدليل على أن الموقع الجغرافي المدروس، المصحوب بخيارات هيكلية سليمة، كفيل بإعادة رسم مكانة بلدٍ على خارطة الفاعلين الاقتصاديين الموثوقين في أفريقيا.