للأسف لا يبدو أن النظام الحالي يملك مثل هذه الرؤية أو هذه القناعات، إذ إن لديه أجندة عمياء، كما يتضح من التسجيلات المُسربة
لنتصور ولو لفترة وجيزة قطر مشابهة سياسياً لسلطنة بروناي، تنأى بنفسها عن الصراعات الإقليمية وتمويل المنظمات والتخريب، وتتعاون مع محيطها لتدعيم الاستقرار، أو نتصورها كسنغافورة، باعتبارها مركزاً مالياً وتجارياً ومركزاً للبحوث العلمية، حيث تملك قطر المقوّمات اللازمة. ولو كان الأمر كذلك لتغيّر الحال تماماً، ولأضحت قطر دولة بثقل اقتصادي مهم، وليس بثقل سياسي مُزيّف ومؤقت.
ولكن قطر ليست كذلك أبداً، في حين يمكنها تدارك الأخطاء والعودة للتعقل والحكمة، فبدلاً من صرف مئات الملايين على مركز مشبوه، كمركز عزمي بشارة الذي ساهم في تخريب العديد من البلدان العربية، يمكن تخصيص هذه الأموال لإقامة مركز للبحوث الطبية يسهم في تدريب وتأهيل القطريين والخليجيين، ويوجد علاجات للأمراض المستوطنة والمزمنة، وبالأخص السكري وضغط الدم المنتشرة في المجتمعات الخليجية، علماً بأن قطر تفتقر إلى الكوادر والمؤهلات الوطنية في كافة المجالات بصورة خطيرة.
وبدلاً من تمويل المنظمات الإرهابية، كـ«الإخوان المسلمين» وصرف مبالغ طائلة، يمكن رصد هذه المبالغ لتطوير بحوث الهندسة الوراثية وتحويل قطر إلى مركز إقليمي لهذه البحوث، كما يمكن تطوير قطاعات أخرى، في مجالات الطاقة الشمسية وتقنية تحلية المياه، إذ لا يوجد أي شيء من ذلك في قطر الآن.
أما الاعتمادات الهائلة بالمليارات للإعلام، والتدخل في شؤون الآخرين والتحريض، فإنه يمكن تخصيصها لبناء شبكتين للغاز الطبيعي، وهو المصدر الأساسي للدخل في قطر، أولاً بإقامة شبكة تمتد شمالاً للكويت ومن ثم للعراق وتركيا وأوروبا، وأخرى جنوباً لدولة الإمارات ومن ثم إلى باكستان والهند وبلدان آسيا، مما سيقلل كثيراً من تكلفة نقل الغاز ويعزز من قدرة الغاز القطري التنافسية في الأسواق الدولية.
ومثل هذين المشروعين العملاقين لا يمكن أن يتحققا بأي شكل من الأشكال دون الموافقة السعودية للخط الممتد شمالاً، والموافقة الإماراتية للخط الممتد جنوباً، وهما دولتان شقيقتان تتمنيان الخير للشعب القطري، ويمكنهما التعاون إذا ما غيرت قطر من سياساتها العدوانية والتخريبية التي لا جدوى منها ومصيرها الفشل.
الطريق الحالي الذي تسير فيه قطر، طريق مسدود ولا آفاق له لاعتبارات عديدة، وإذا ما كان هناك شيء من الشجاعة والمنطق، فإن الأمور يجب أن تسلك طريق التحضير لقطر الأخرى، قطر العلم والتسامح والتعاون، وبالأخص مع الأشقاء الحريصين على استقرارها وتقدمها
هذه مجرد أمثلة للكثير من المشاريع التنموية التي يمكن أن تُوظف بديلاً لمليارات الدولارات التي تُصرف على المنظمات الخارجية، وتمويل التخريب وشراء الذمم. عندها ستكون قطر غير قطر التي نعرفها حالياً، وستكون دولة مسالمة تساهم في التنمية والاستقرار في المنطقة، وستكسب ود واحترم العالم.
وللأسف لا يبدو أن النظام الحالي يملك مثل هذه الرؤية أو هذه القناعات، إذ إن لديه أجندة عمياء، كما يتضح من التسجيلات المُسربة، وهو غير قادر على استيعاب التوازنات الإقليمية والدولية التي لا يمكن أن تتيح له لعب دور أكبر من حجمه الحقيقي، فبروناي وسنغافورة تعرفان حجمهما الحقيقي، وهما تتصرفان على هذا الأساس.
والمشكلة الحقيقية، هي أن هذه الثروة الكبيرة المبعثرة هنا وهناك غير قابلة للاسترداد، وهي تأتي في ظل ليس تدهور أسعار النفط والغاز فحسب، وإنما في ظل أفول عصر النفط، مما لا يتيح الكثير من الوقت والفرص لإيجاد البدائل التي تفرط فيها قطر حالياً بشكل ساذج وجنوني. ولذلك، فإن الشعب القطري مستقبلاً سيعاني الكثير إذا ما استمرت هذه السياسات للصرف على الخارج، وإهمال الداخل المُخدَّر حالياً بمداخيل ثروة ناضبة.
صحيح تماماً أن الداخل يتمتع الآن بمستويات عالية للدخل والبذخ، إلا أنه لا توجد أدنى ضمانة لاستمرار ذلك في ظل إهمال البديل، مما يعرّض الأجيال القادمة لمصاعب لا تحصى وستلعن عندها تلك الأجيال نظام الحمدين، وتتحسر على تلك الأموال وتلك الفرص التي ضاعت هباء.
والطريق الحالي الذي تسير فيه قطر، طريق مسدود ولا آفاق له لاعتبارات عديدة، وإذا ما كان هناك شيء من الشجاعة والمنطق، فإن الأمور يجب أن تسلك طريق التحضير لقطر الأخرى، قطر العلم والتسامح والتعاون، وبالأخص مع الأشقاء الحريصين على استقرارها وتقدمها، والذين وقفوا إلى جانبها وساندوها دائماً، وليس نظام الولي الفقيه المتربص بها وبدول المنطقة.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة