لم يكن التعاضد والدعم اللذان قدما إلى فرنسا حكومة وشعباً، إلا نتاجاً للامتداد الثقافي البشري المغروس في أذهان الناس.
احترقت في الأيام الماضية أجزاء كبيرة من كاتدرائية نوتردام التاريخية في قلب باريس، التي تعد رمزا دينيا، وواحدة من أهم معالم ضفاف نهر السين، ومحط اهتمام كل زائر لعاصمة الأنوار في مشهد مؤلم أثار دهشة الباريسيين والعالم.
لم يكن التعاضد والدعم اللذان قدما إلى فرنسا حكومة وشعباً إلا نتاجاً للامتداد الثقافي البشري المغروس في أذهان الناس، والذي تمثل في الأثر الأدبي العظيم "أحدب نوتردام" للروائي والشاعر الفرنسي الشهير فكتور هوغو، الذي صنع للمكان ذاكرة عبر هذه الرواية
عبر كثيرون عن حزنهم الشديد وحسرتهم على فقدان جزء من كنوز الإرث الإنساني الذي يعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي، متمثلاً في سقف الكاتدرائية وبرجها الرئيسي وما رافقهما من خسائر في اللوحات الهامة والجداريات التاريخية التي رسمت إبان بناء الكاتدرائية؛ وكأن كل فرد خسر جزءاً من تاريخه الذي احترق أمام أعين ملايين المتابعين.
توجه الجميع بالدعاء آسفين على خسارة إنسانية هائلة لا تخص ديناً أو عرقاً أو جنسية، فالتراث الإنساني جزء من أملاك البشر مهما اختلفت أصولهم، وإذا تدمرت فإن الخسارة لا تخص المسيحيين أو الفرنسيين، فحسب بل تخص مختلف الانتماءات الإنسانية ومكونات جنسنا البشري وتاريخه، وإرثه الحضاري كافة.
إن انهيار البرج القديم في كاتدرائية نوتردام يشبه انهيار المنارة الحدباء في جامع النوري في الموصل يونيو/حزيران 2017 التي دمرها تنظيم داعش الإرهابي، على مرأى العالم الذي تألم لانهيارها، ويشبه كذلك آثار حلب التي دمرت بعد الأزمة السورية، وتماثيل بوذا التي تداعى العالم لإنقاذها، لكن الإرهاب آل على نفسه أن يتسبب في ألم إنساني ضخم لا تزال آثاره حاضرة إلى اليوم، تتجدد مع كل خسارة مماثلة.
لقد بدى الوعي الثقافي العالمي جلياً أثناء الحريق في تعليقات رواد التواصل الاجتماعي في الخليج الذين بادروا بإرسال تعاطفهم مع الفرنسيين في محنتهم، ولم يرتفع إلا صوت التسامح والمحبة والتقدير لهذا الإرث الإنساني أمام التعليقات الحقودة.
لم يكن التعاضد والدعم اللذان قدما إلى فرنسا حكومة وشعباً إلا نتاجاً للامتداد الثقافي البشري المغروس في أذهان الناس، الذي تمثل في الأثر الأدبي العظيم "أحدب نوتردام" للروائي والشاعر الفرنسي الشهير فكتور هوغو، الذي صنع للمكان ذاكرة عبر هذه الرواية، وهو ما يؤكد من جهة الصبغة العالمية التي يتمتع بها الأدب، ومن جهة ثانية يؤكد دوره في التقارب الثقافي بين الشعوب، وبناء الجسور المعرفية بين أفراد العالم، الذين استحضروا بعد مأساة الحريق من نوتردام أحدبها.
ربما لن يعود المكان إلى مكان عليه، لكن أثره الفنّي باقٍ ما بقي الإبداع مستمراً، وخالداً في ذاكرة الإنسانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة