جزر المحيط الهادئ تتمرد.. قمة بلا واشنطن وبكين

في خضم الصراع الجيوسياسي في المحيط الهادئ، سئم قادة المنطقة من ضغط القوى العظمى على حكوماتهم وجيوشهم.
ففي قرار غير مسبوق، اتفقت دول منتدى جزر المحيط الهادئ على استبعاد القوى الدولية الكبرى من قمتها السنوية المنعقدة في هونيارا عاصمة جزر سليمان.
وللمرة الأولى منذ التسعينيات من القرن الماضي، غابت الولايات المتحدة والصين وبريطانيا واليابان والاتحاد الأوروبي عن قمة منتدى جزر المحيط الهادئ التي تضم 18 عضوا بينهم استراليا ونيوزيلندا.
وفسر المراقبون هذه الخطوة بأنها رسالة مباشرة للقوى العظمى لوقف "التدخل الخارجي" في شؤون المنطقة، وفقا لما ذكره موقع "ريسبونسيبل ستايت كرافت".
من جانبه، أكد رئيس وزراء جزر سليمان جيريمياه مانيل أن الهدف هو حماية السيادة الإقليمية وضمان أن يجري التعاون مع الشركاء عبر آلية شفافة واستراتيجية تعكس أولويات سكان الجزر، لا أولويات القوى العظمى.
ولا يمكن فصل هذا القرار عن تصاعد التنافس الصيني–الأمريكي في منطقة المحيط الهادئ حيث رسخت الصين حضورها عبر اتفاق أمني مع جزر سليمان عام 2022 يسمح بنشر قوات صينية من الشرطة والجيش عند الحاجة.
من جانبها، ردت الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا بسلسلة مبادرات ومساعدات وقمم في واشنطن، لتعزيز الوجود الأمني والاستخباراتي مثل افتتاح مكتب لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي آي) في ويلنغتون عاصمة نيوزيلندا.
لكن واشنطن، خاصة بعد عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي، تسببت في أزمة بعد فرض تعريفات جمركية ثقيلة على دول نامية مثل فيجي وفانواتو وبابوا غينيا الجديدة، وتراجعها عن اتفاق باريس للمناخ، وتقليصها المساعدات وهو ما قوض ثقة قادة الجزر الذين يعتبرون أن التغير المناخي والتنمية أهم من التنافس العسكري.
ورغم أن قرار استبعاد الشركاء الدوليين تم عرضه على أنه توافق جماعي، إلا أن الانقسامات ظهرت سريعا داخل المنتدى حيث أيد القرار دول مثل بالاو، ساموا، وتونغا، واعتبروه علامة على "النضج الجماعي" للمنطقة.
وتحفظت دول مثل بابوا غينيا الجديدة ونيوزيلندا حيث أعربت عن قلقها من فقدان الدعم الخارجي في المقابل عارضت بشدة دول مثل جزر مارشال التي طالبت علنًا بإعادة النظر في القرار خوفا من تفقد شركاءها التنمويين.
ويعكس هذا الجدل التباين في أولويات الدول الأعضاء فبعضهم يريد الاستقلالية، بينما يظل آخرون أكثر اعتمادا على المساعدات الخارجية.
لكن جزءا من التوتر يرتبط بمحاولات الصين عزل تايوان دبلوماسيًا حيث تعترف 3 دول أعضاء في المنتدى هي توفالو، بالاو، وجزر مارشال بتايبيه.
وخلال قمة 2024، ضغط الدبلوماسيون الصينيون لحذف أي ذكر لتايوان من البيان الختامي، وفي 2025 واجهت بكين اتهامات بالضغط على حكومة جزر سليمان لإقصاء تايوان من المشاركة.
ورغم نفي الصين، فإن كثيرًا من قادة المنطقة يرون أن اللعبة بين بكين وواشنطن تُفقد المنتدى استقلاليته، مما دفعهم إلى قرار المنع الشامل.
وفي الوقت نفسه، تعاني الولايات المتحدة من تآكل صورتها بعد انسحابها من المؤسسات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية واتفاق باريس.
كما أن تخفيض المساعدات الأمريكية كان له تأثير سلبي في حين أن الخطاب الحالي لإدارة ترامب الذي يركز فقط على مواجهة الصين عسكريًا، يتجاهل أولويات السكان المحليين مثل الكوارث الطبيعية والجريمة المنظمة، والبطالة.
من جهة أخرى، دفعت الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة بابوا غينيا الجديدة للتحذير من أنها قد تعيد توجيه صادراتها نحو أسواق أخرى "أكثر احترامًا".
في المقابل، استغلت بكين الفراغ لزيادة نفوذها فعقدت في مايو/أيار 2025 أول اجتماع لوزراء خارجية الصين وجزر المحيط الهادئ في بكين، وأعلنت سلسلة مشاريع مرتبطة بالمناخ والتنمية.
ورغم الحذر من نوايا الصين، فإن العديد من قادة الجزر يعتبرونها أكثر تجاوبًا من واشنطن في ملف التغير المناخي.
من جانبه، أعلن المنتدى أنه سيعيد صياغة آلية التعامل مع الشركاء الدوليين خلال العام المقبل، على أن تُعرض الاستراتيجية الجديدة في قمة 2026 في بالاو، حيث قد تستأنف الاجتماعات مع الشركاء الدوليين وهو ما يمكن اعتباره مهلة للولايات المتحدة والصين وغيرهما لإعادة النظر في سلوكهم.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjEg جزيرة ام اند امز