تفجيرات باكستان تقطع سنوات الهدوء.. ماذا تعني هجمات الجمعة؟
سنوات من الهدوء في باكستان، قطعتها عودة العنف، وتصاعد الهجمات المسلحة، ما زاد من المخاطر التي تواجهها قوات الأمن قبل الانتخابات الوطنية المقررة في يناير/كانون الثاني المقبل.
فمن أزمة اقتصادية مرورًا بأخرى سياسية إلى محطة الهجمات المسلحة وعودة شبح العنف، محطات ثلاث، جعلت باكستان على موعد مع مستقبل "مزعج" ومجهول في آن.
وشهدت باكستان ارتفاعا في الهجمات التي يشنها متشددون منذ العام الماضي عندما انهار وقف إطلاق النار بين الحكومة وحركة طالبان باكستان، وهي حركة ينضوي تحت لوائها العديد من الجماعات المتشددة.
وقالت الشرطة ومسؤولون في قطاع الصحة الباكستاني إن ما لا يقل عن 57 شخصا قتلوا وأصيب العشرات في هجوم انتحاري وانفجار آخر وقعا بمسجدين يوم الجمعة خلال فعاليات بمناسبة المولد النبوي.
فماذا يعني الهجومان الأخيران؟
تقول صحيفة "الغارديان" البريطانية، إن الهجومين الانتحاريين يؤكدان عمق الأزمة الباكستانية، مشيرة إلى أن تصاعد العنف يأتي في وقت يعاني فيه الاقتصاد من حالة يرثى لها، فيما الحكومة المؤقتة "عاجزة".
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن مشاهد الرعب التي تم التقاطها يوم الجمعة أصبحت مألوفة للغاية في باكستان، مؤكدة أنها بينما لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجمات الأخيرة بعد، لكنّ الشكوك بين المسؤولين والمحللين كانت موجهة نحو تنظيم "داعش خراسان"، الذي أعاد تنظيم صفوفه مؤخرًا وأحيا أنشطته المسلحة في باكستان مما أدى إلى آثار مدمرة، مع عدم وجود علامات تذكر على إمكانية احتوائه.
"فإلى جانب عودة منافسته حركة طالبان الباكستانية، والتي كانت وراء العشرات من الهجمات المميتة على مدى الأشهر القليلة الماضية، يستمر الوضع الأمني في البلاد في التدهور إلى أسوأ مستوياته منذ سنوات"، تقول "الغارديان".
وأعلن تنظيم "داعش خراسان" مسؤوليته عن التفجير الانتحاري الذي استهدف تجمعا سياسيا في يوليو/تموز الماضي، والذي استهدف حزبا معروفا بعلاقاته الوثيقة مع حركة طالبان في أفغانستان، مما أسفر عن مقتل 54 شخصا.
وبحسب "الغارديان"، فإن تنظيم "داعش خراسان" يعد أكثر تشددا من حركة طالبان، مشيرة إلى أنه استهدف منافسيه في كل من أفغانستان وباكستان لعدم تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل صارم، إضافة إلى أنه يعارض بشدة الموكب الديني الذي كان يجري صباح الجمعة قبل أن يدمره التفجير الانتحاري.
ونفت حركة طالبان باكستان، التي نفذت منذ تأسيسها عام 2007 بعضا من أعنف الهجمات داخل البلاد، مسؤوليتها عن تنفيذ التفجيرين.
لماذا ماستونغ؟
تقول "الغارديان"، إن ماستونغ، الواقعة في منطقة بلوشستان المضطربة في باكستان، حيث وقع الانفجار، كانت منذ فترة طويلة مركزًا للمدارس الدينية المتطرفة والجماعات المتطرفة، إنه المكان الذي تم إرجاع العديد من الهجمات العنيفة إليه.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن بلوشستان ابتليت بتمرد انفصالي طويل الأمد، وكجزء من حملته القمعية، يُزعم أن الجيش الباكستاني قد تسامح مع العديد من الجماعات المسلحة المحلية في ماستونغ، ورعاها من أجل استخدامها كأسلحة ضد الانفصاليين البلوش.
إلا أن "هذه الاستراتيجية أثبتت أنها مميتة، بعد أن انضم العديد من المقاتلين من هذه الجماعات إلى تنظيم القاعدة ولاحقًا تنظيم داعش خراسان"، تقول الصحيفة البريطانية.
وفي عام 2018، قبل الانتخابات الأخيرة في البلاد مباشرة، وقعت واحدة من أسوأ الهجمات المسلحة على الإطلاق في باكستان في ماستونغ، حيث استهدف مسلحو تنظيم "داعش خراسان"، تجمعًا سياسيًا وقتلوا ما يقرب من 150 شخصًا، بما في ذلك سياسي بلوشي بارز.
وقال زاهد حسين، وهو مؤلف كتب عن التطرف الإسلامي: "بعد سنوات من الهدوء، نشهد الآن عودة كاملة للعنف الكامن والتشدد (..) المشكلة هي أن باكستان ليس لديها سياسة شاملة لمكافحة التطرف، وليس لديها طريقة للتعامل مع هذا العنف في هذه المناطق الخاضعة الآن لسيطرة المتشددين"، مضيفًا: "كانوا يعلمون أن هذه المنطقة أصبحت مركزًا للجماعات المتطرفة، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء”.
وبينما تستعد باكستان لإجراء الانتخابات العامة المقبلة في نهاية يناير/كانون الثاني، يخشى المحللون والسياسيون من أن البلد الآسيوي على أعتاب عمليات مسلحة، تراق خلالها المزيد من الدماء.
تنافس الجماعات الإرهابية
ورغم أنه من غير المرجح أن تكون تفجيرات يوم الجمعة مرتبطة بشكل مباشر بالانتخابات، لكن هناك مخاوف من أنه مع استمرار تصاعد التنافس العنيف بين حركة طالبان الباكستانية وتنظيم "داعش خراسان"، وسعي كلا التنظيمين لتأكيد نفوذه، فإن الهجمات ستستمر وستكون صعبة على الأفغان.
وتشهد مناطق واسعة من مقاطعة خيبر بختونخوا الشمالية الغربية بالفعل وجودًا كثيفًا لطالبان باكستان، بعد الجهود التي بذلها رئيس الوزراء السابق عمران خان - بعد عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان - لإعادة الآلاف من مقاتلي طالبان إلى باكستان بدلاً من ذلك، وترك المناطق الحدودية في قبضة المسلحين.
وتقول الصحيفة البريطانية، إن تصاعد النشاط الإرهابي المحلي، يأتي في وقت كارثي بالنسبة لباكستان؛ فالبلد الآسيوي يمر بالفعل بواحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية على الإطلاق.
وتدير البلاد حكومة انتقالية، فيما يقبع زعيمها السياسي الأكثر شعبية، عمران خان، خلف القضبان، ويتم تأجيل موعد الانتخابات العامة باستمرار.
ومن المرجح أن تؤدي العودة المتوقعة لرئيس الوزراء السابق نواز شريف في أكتوبر/تشرين الأول من المملكة المتحدة إلى تعميق الاضطرابات السياسية.
وقال حسين: "في البداية كانت أزمة اقتصادية، ثم أزمة سياسية والآن أزمة تشدد. وحتى لو مضت هذه الانتخابات قدما، فإنها ستكون وقتا مزعجا بالنسبة لباكستان".