قمة السيسي- ترامب.. البحث عن إحياء القضية الفلسطينية
فهل يمكن أن تسهم زيارة السيسي إلى واشنطن في إيجاد مسار لحل القضية الفلسطينية؟
زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، التي بدأت اليوم، يترقبها ليس فقط المصريون وإنما أيضا الفلسطينيون نظرا لما أوضحه الرئيس المصري من تَصدر القضية الفلسطينية لمباحثاته مع نظيره الأمريكي الذي أبدى تحيزا لمواقف وممارسات الجانب الإسرائيلي.
وعلى مدار تاريخ الصراع، عملت القاهرة بتعاقب حكامها ومسؤوليها على السعي لإيجاد حل للنزاع العربي الإسرائيلي عامة والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني خاصة، من خلال مختلف السبل وعلى كل المحافل الدولية والإقليمية، بل إن البحث عن حلول لتلك النزاعات أسهم إلى حد كبير في رسم خطوط العلاقة الأمريكية المصرية.
وقام الرؤساء المصريون بزيارات إلى واشنطن، أتى على إثرها بعض الخطوات تجاه الحل الفلسطيني، مثل زيارة السادات إلى الولايات المتحدة في 27 أكتوبر/تشرين الأول 1975، ثم في نوفمبر/تشرين الثاني 1975 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بناء على اقتراح مصري، قرارها رقم 3375 بدعوة منظمة التحرير الفلسطينية للاشتراك في مناقشات الشرق الأوسط.
وفى زيارة السادات التاريخية إلى أمريكا في عام 1978 من أجل التفاوض لاسترداد الأرض وتحقيق السلام، تم توقيع اتفاقية السلام في كامب ديفيد، والتي تضمنت في أحد بنودها البدء بمفاوضات لإنشاء منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة.
فهل يمكن أن تسهم زيارة السيسي إلى واشنطن في إيجاد مسار لحل القضية الفلسطينية؟
مواقف ثابتة
أحمد يوسف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة (حكومية)، أشار إلى أن مصر لديها موقف ثابت ومعروف من التسوية الفلسطينية، فمصر تؤيد وتتمسك بمبدأ حل الدولتين، وإنشاء الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 تكون عاصمتها القدس الشرقية.
وتابع يوسف، في تصريحات لبوابة "العين": أنه عندما أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهاونا مع مبدأ حل الدولتين، اجتمع السيسي مع الملك الأردني عبدالله الثاني، واتفقا على ضرورة حل الدولتين كأساس للتسوية السياسية للقضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي أكدته القمة العربية بالأردن.
وفي 29 مارس/آذار الماضي، عقدت القمة العربية، في الأردن، التي ركزت على عدد من القضايا منها القضية الفلسطينية؛ حيث أكد القادة العرب المجتمعون تمسكهم بمبدأ حل الدولتين، وإدانة الممارسات الاستيطانية الإسرائيلية.
ووصف يوسف تصريحات ترامب، خاصة تلك الداعية إلى نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ببالونات اختبار، موضحا أنه عندما يجد ترامب انتقادات لها إما يتراجع أو يقلل حدة تصريحاته بخصوصها؛ فترامب أكد على نقلها (السفارة) عندما يتولى الرئاسة، ثم بعد فوزه أشارت إدارته إلى أن الأمر ما زال مبكرا لنقلها، ثم التزم الصمت حيال الأمر.
من جانبه، أكد مصطفى علوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة (حكومية)، على تمسك القاهرة بثوابت حل القضية الفلسطينية، ودعا الوفد المصري إلى إيضاح الرؤية لدى الجانب الأمريكي، بأنه في حال تعنتت الإدارة الأمريكية بنقل السفارة وأغفلت مبدأ حل الدولتين، سيؤدي ذلك ليس فقط على عدم تسوية القضية الفلسطينية، وإنما أيضا إلى احتدام صراع أشد في الفترة المقبلة بين أطراف النزاع العربي الإسرائيلي.
وفى فبراير/شباط الماضي، قال ترامب خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن: "أنظر إلى (حل) الدولتين و(حل) الدولة.. إذا كانت إسرائيل والفلسطينيون سعداء، فسأكون سعيدا بـ(الحل) الذي يفضلونه. الحلان يناسبانني"، وهو الأمر الذي رحبت به تل أبيب؛ لأنه لا يجبرها بالتزام حل الدولتين كأساس للتسوية.
وتابع علوي، في حديثه عبر الهاتف مع بوابة "العين"، بالقول إن غياب حل الدولتين يعني غياب حل القضية الفلسطينية، معتبرا أن وجود دولة واحدة يهودية يعيش بها الفلسطينيون، كما ترغب إسرائيل، لا يؤدي إلى إنهاء النزاع وإنما العكس.
واعتبر علوي أنه في حال عدم نجاح زيارة السيسي في إقناع ترامب بالتراجع عن مواقفه، تظل زيارة السيسي إلى واشنطن في غاية الأهمية، حيث سيتضح الدور المصري باتخاذ الموقف الذي ينبغي أن تتخذه سياسيا وأيديولوجيا من ضرورة التمسك المصري بثوابت الحل الفلسطيني.
عقبات أمام الحل
واعتبر أحمد يوسف السياسة الأمريكية تجاه الملف الفلسطيني في حاجة إلى بلورة وتخطي لمرحلة الضبابية التي هي عليها الآن.
واتفق معه علوي بالقول إن موقف الإدارة الأمريكية الحالية من القضية الفلسطينية غير متجانسة مع بعضها البعض، فإن كان هناك عنصر إيجابي مع حل القضية، لكن في نفس الوقت هناك عناصر أخرى تقف عائقا مثل تصريحات ترامب عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والذي إذا تم اتخاذه سيؤدي إلى عقبات وصعوبات كبيرة أمام الحل.
وأشار يوسف إلى عقبات تقف أمام اتجاه الحل للقضية الفلسطينية، أهمها كثرة الضغوط الصهيونية على ترامب، فصهره ومستشاره يهودي مؤيد لسياسات إسرائيل، والسفير الأمريكي المعين في إسرائيل شديد التطرف.
في حين رأى مصطفى علوي أن جزءا من مشكلة تعقد حل القضية الفلسطينية هي حالة الفوضى التي تعيشها الدول العربية، خاصة الحروب الأهلية في عدد من الدول الهامة والرئيسية في المنطقة، وهو الأمر الذي يسعد إسرائيل كثيرا، وتستغله لنسف الجهود الداعية إلى حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
وتوقع يوسف أن يتطرق الرئيسان إلى ما يسميه ترامب بصفقة إقليمية كبرى، وفي أحد معاني هذه الصفقة أن يتم تطبيع الدول العربية مع إسرائيل حتى تستجيب الأخيرة إلى مساعي الحل، لكن يوسف حذر من ذلك معللا أن إسرائيل لن تغير موقفها ولن تتوقف عن أنشطتها الاستيطانية، وإذا قامت الدول العربية بالتطبيع مع إسرائيل، فإسرائيل لن تسعى إلى الحل، بحسب يوسف.
وذكرا للصفقات، استبعد كل من يوسف وعلوي أن تقبل مصر بأي نوع من الصفقات السياسية، على قبيل مساعدات اقتصادية أو عسكرية، حتى تتراجع القاهرة عن موقفها من القضية الفلسطينية، مؤكدين بالقول إن القاهرة لم ولن تغير مبادئها وموقفها من القضية الفلسطينية، نظرا لما تحويه من أبعاد سياسية وقومية ودينية لمصر والعرب.
وانتهى المحللان إلى اعتبار محاولة الوفد المصري لإقناع الإدارة الأمريكية بالتزام الثوابت الفلسطينية مثل ضرورة حل الدولتين وإنشاء الدولة الفلسطينية على حدود ما قبل الخامس من يونيو/حزيران 1967، هو جهد كبير، لكنه أيضا لا يمثل الحل، خاصة أن الإدارات الأمريكية السابقة دعت إلى حل الدولتين، لكن إسرائيل بسياساتها خاصة الاستيطانية أعاقت ذلك.