الحكومة الإسرائيلية الجديدة ترى أن الوضع الفلسطيني الراهن واستمرار حالة الانقسام تشجع على تنفيذ خطوة الضم
مع صدور قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوقف التنسيق الأمني مع الولايات المتحدة وإسرائيل، أثيرت تساؤلات بشأن مدى مصداقية القرار، وإمكانية تطبيقه على الأرض، خاصة أن هناك سوابق تاريخية تمت في نفس الاتجاه، ولم تنفذ أصلا.
كما لم تتوقف السلطة الفلسطينية عن تعاملاتها مع الجانب الإسرائيلي منذ التسعينات إلى اليوم بل بالعكس تكثف التنسيق الأمني بين الجانبين، وقد منع هذا التنسيق وقوع عمليات في الضفة الغربية أو داخل الخط الأخضر.
يحتاج وقف التنسيق الأمني رسميا بين الجانبين العودة إلى مقررات النظام السياسي الفلسطيني لإقرار ذلك فعليا.
تخلص التقييمات الاستراتيجية في تل أبيب إلى أنه من المبكر الحكم على موقف السلطة الفلسطينية بشأن وقف التنسيق الأمني.
تخلص التقييمات الاستراتيجية في تل أبيب إلى أنه من المبكر الحكم على موقف السلطة الفلسطينية بشأن وقف التنسيق الأمني، وأن الأمر في مجمله مرتبط بموقف الحكومة الإسرائيلية المزمع بتنفيذ قرار ضم المستوطنات، ومنطقة غور الأردن قبل يوليو/ تموز المقبل، وفقا لإعلان الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
ومن ثم سيكون أمام السلطة الفلسطينية، إما قبول استراتيجية الأمر الواقع التي ستفرضها الحكومة الإسرائيلية من جانب واحد، وإما الانتقال من وقف التنسيق الأمني وتجميد اتفاقيتي "أوسلو" و"باريس" حيث لن تكون هناك التزامات من الجانب الفلسطيني تجاه إسرائيل من الآن فصاعدا.
وهو أمر محل تشكك إسرائيلي داخل أجهزة المعلومات الإسرائيلية خاصة وأن الاتصالات الأمنية لم تتوقف علي مستوي الجانبين بعد، كما لم يتم حل السلطة أو تغيير وضعها من جانب القيادة الفلسطنيية التي أعلنت مسبقا عن تغيير وظيفي لطبيعة مهامها.
حسابات مباشرة
تركز التقييمات الإسرائيلية على عدة توجهات الأول: أن الرئيس محمود عباس لن يذهب إلى الخيار الصفري لأنه يعلم أن مصير السلطة الفلسطينية ما زال بيد إسرائيل، وأن الحكومة الإسرائيلية لن تتراجع في قراراتها بشأن مشروع الضم، وأنها ستستثمر وجود الإدارة الأمريكية الحالية، وستقاتل من أجل تنفيذه بصرف النظر عن الرفض العربي والدولي والنصائح الأمنية الداخلية بتأجيل الخطوة الإسرائيلية لبعض الوقت.
أما الثاني: ترى الاستخبارات العسكرية "أمان" وجهاز الأمن الداخلي "شاباك" أن هناك مسؤولين كبار في السلطة الفلسطينية وبعض القيادات الأمنية لهم توجهات مختلفة عن القيادة الفلسطينية، وأنها المسؤولة عن إدارة المشهد الأمني بين الجانبين، وفي النهاية هي من ستقرر مسارات المشهد.
وفي هذا السياق تبدو التقييمات الإسرائيلية صحيحة، فالرئيس محمود عباس التقى مؤخرا رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات، كما التقى رئيسة المخابرات المركزية جينا هاسبل في رام الله، ولم يتوقف عمل ومهام ضباط الاتصال على الجانبين، والرسالة أن السلطة الفلسطينية لن تستطيع تجميد الاتصالات، وأن كل ما صدر يأتي في إطار رسائل سياسية وأمنية.
والثالث: ترى الحكومة الإسرائيلية الجديدة أن الوضع الفلسطيني الراهن، واستمرار حالة الانقسام تشجع على تنفيذ خطوة الضم بالرغم من كل التحذيرات الأمريكية بتأثير ذلك على العلاقات الأردنية- الإسرائيلية إلا أن الحكومة الإسرائيلية ترى أن السلطة الفلسطينية في أضعف حالاتها وأن خياراتها الحقيقية في الطرح والتعامل الجدي باتت محدودة.
بدائل محددة
واقعيا لم تعد السلطة الفلسطينية تملك في الوضع الجديد بدائل حقيقية أو وسائل ردع يمكن أن تقف في مواجهة ما يجري، ويخطط إسرائيليا وهو ما يتطلب إجراء مراجعة حقيقية للموقف الفلسطيني بأكمله مع تبني استراتيجية جادة للتعامل مع المتغيرات المتلاحقة التي تمر بها القضية الفلسطينية، وتتطلب مراجعة لأسس التعامل مع الجانب الإسرائيلي، والبناء على ما تم عبر سنوات ما بعد أوسلو، وليس البدء من الصفر حيث سيكون من المراهقة السياسية الحديث عن خيارات انتهى توقيتها، أو العودة لتبني سياسات بالية .
وفي هذا السياق من المهم التأكيد على تصويب مسارات أوسلو وباريس والدخول في مفاوضات جادة مع إسرائيل عبر الشريك الأمريكي والرباعية الدولية، وعدم الابتعاد عن الحلبة التفاوضية مهما كان الأمر خاصة وأن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستوظف كل ما تملكه من أوراق لصالحها فهي حكومة إنجاز ، وليست حكومة انتظار لما سوف يطرح فلسطينيا.
غزة 2
لن يتم وضع الرئيس محمود عباس في المقاطعة، كما يتوهم البعض ولن تتوقف دوائر الاتصال الأمني بين الشركاء بما في ذلك الولايات المتحدة.
كما لن تعمل الحكومة الإسرائيلية علي مناشدة الرئيس الفلسطيني للعودة للتفاوض، إذا لم يرغب، خاصة وأن إسرائيل ستذهب بعد أن ترسم الخرائط عبر اللجنة المشتركة مع الولايات المتحدة إلى إقرار كل الترتيبات الأمنية والاستراتيجية اللازمة، ثم الشروع في تنفيذ القرار المفاجأة، أو الصدمة الحقيقية في الخروج الآمن من جانب واحد من الضفة الغربية على غرار ما جرى في قطاع غزة، وليترك للجانب الفلسطيني أن يقرر هو أيضا مصيره بعد أن تكون قد رسمت إسرائيل حدودها النهائية مع القطاع والضفة.
على جانب آخر ستستمر الحكومة الإسرائيلية في خطواتها تجاه غزة، وستذهب لإقرار صفقة تبادل الأسرى مع الانتقال لمرحلة تثبيت الهدنة، وإقرارها لأطول مدة ممكنة مع البدء في تنفيذ استراتيجية طويلة الأجل نحو تعاون إقليمي ينطلق من غزة، ويمر إلى باقي الدول العربية وفقا لمبدأ الفوائد المتبادلة والمصالح المشتركة.
وسيبقى الرهان الإسرائيلي في مجمل الخيارات المحتملة العمل بصورة منفردة، مع اعتبار الرئيس محمود عباس ليس بأكثر من "نصف رئيس" في إشارة إلى سيطرته على الضفة، وبقاء سلطته على غزة غير قائمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة