رحل الشهيد أبودياك دون أن تتحقق أمنيته بالموت بين أحضان والدته، تاركا وحشية الاحتلال وقسوة هذا العالم.
"إلى كل صاحب ضمير حي، أنا أعيش في ساعاتي وأيامي الأخيرة، أريد أن أكون في أيامي وساعاتي الأخيرة إلى جانب والدتي وبجانب أحبائي من أهلي، وأريد أن أفارق الحياة وأنا في أحضانها، ولا أريد أن أفارق الحياة وأنا مكبل اليدين والقدمين، وأمام سجان يعشق الموت ويتغذى، ويتلذذ على آلامنا ومعاناتنا".
بهذه الكلمات التي وردت في آخر رسائله من داخل سجون الاحتلال، ودع الشهيد سامي أبودياك هذا العالم قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة في مستشفى سجن الرملة. رحل أبودياك في أبشع جريمة إعدام بالقتل البطيء، جرت على مدار عدة سنوات، على يد الاحتلال ودولته "الديمقراطية" التي تتربع فوق القانون، حتى إن كانت الجريمة التي ارتكبتها ترقى إلى مصاف "جرائم الحرب". ولكن من يستطيع محاكمة دولة الاحتلال التي تحظى بحماية البيت الأبيض وداعميها في الغرب عموماً، فلو كان الأمر يتعلق بعملية فدائية أو عدوان همجي "إسرائيلي" يكون كل ضحاياه من الفلسطينيين، لارتفعت عقيرة واشنطن وعواصم الغرب بالإدانة والشجب والاستنكار وتخصيص المزيد من الدعم والمساعدات العسكرية لدولة الاحتلال باعتبارها "تدافع عن نفسها"، في ترجمة فاقعة لسياسة الكيل بمكيالين والانحياز الأعمى لـ"إسرائيل".
رحل الشهيد أبودياك دون أن تتحقق أمنيته بالموت بين أحضان والدته، تاركاً وحشية الاحتلال وقسوة هذا العالم "المتحضر جداً" بين يدي دعاة الديمقراطية المزعومة، الذين لا يزالون يبحثون عن تسويات بائسة مع دولة الاحتلال.
في كل القوانين والأعراف الدولية، تتحمل سلطة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن أسرى الشعب الواقع تحت الاحتلال، فكيف إذا كان الأمر أن سلطة الاحتلال هي من تتعمد إعدام الأسرى بالقتل البطيء، وتتسبب "أخطاؤها الطبية" بنقل مرض السرطان إليهم، كما في حالة أبودياك، البالغ من العمر 36 عاماً، والمحكوم بثلاثة مؤبدات و30 عاماً حين اعتقاله في عام 2002، الذي خضع منذ عام 2015 لنحو ست عمليات جراحية، وبقي على مدى شهور تحت تأثير المخدر موصولاً بأجهزة التنفس الاصطناعي، ومع ذلك فقد ظل يقاوم السرطان والسجان حتى استشهد بعد 17 عاماً قضاها في سجون الاحتلال. بطبيعة الحال، لم تكترث سلطة الاحتلال للتقارير الطبية الصادرة عنها، ولا لنداءات الحركة الوطنية الأسيرة أو هيئة الأسرى الفلسطينية بالإفراج المبكر أو "المشروط" عنه، متذرعة بأن جسده يستجيب للعلاج الكيماوي، حتى تفاقمت حالته خلال الأسبوعين اللذين سبقا استشهاده، وبات معرضاً للموت في أي لحظة. أثار استشهاد أبودياك، الذي حمل الرقم 222 في قائمة شهداء الحركة الوطنية الأسيرة منذ عام 1967، غضباً شعبياً فلسطينياً عارماً، لكن هذا الغضب لم يقابل بموقف مماثل من جانب السلطة الفلسطينية، رغم بيان الشجب والاستنكار، في الدفع بهذه القضية على وجه السرعة إلى كل المحافل الدولية بما في ذلك "الجنايات الدولية".
رحل الشهيد أبودياك دون أن تتحقق أمنيته بالموت بين أحضان والدته، تاركاً وحشية الاحتلال وقسوة هذا العالم "المتحضر جداً" بين يدي دعاة الديمقراطية المزعومة، الذين لا يزالون يبحثون عن تسويات بائسة مع دولة الاحتلال.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة