خطة ترامب بشأن غزة.. وعود كبيرة تصطدم بواقع معقد

رغم الزخم الإعلامي الذي رافق إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطة تجاه القضية الفلسطينية، فإن التساؤل لا يزال مطروحاً: هل المبادرة الجديدة بشأن فلسطين اختراقا أم سرابا دبلوماسيا؟
ووفقا لصحيفة الغارديان البريطانية، تبدو خارطة الطريق الأمريكية في ظاهرها متقاطعة مع الخطة التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في "إعلان نيويورك"، لكن الفوارق الجوهرية بين المشروعين قد تجعل التنفيذ مهمة شبه مستحيلة.
كان المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف قد كشف عن خطة من 21 بنداً وضعها البيت الأبيض بشأن مستقبل فلسطين، مؤكداً أن قادة المنطقة يبدون تأييداً لها إلى حدّ بعيد.
بل وذهب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى أبعد من ذلك، معتبراً أن الخطة الأمريكية تنسجم إلى حد كبير مع "إعلان نيويورك". لكن هذا التقارب لا يخفي وجود خلافات بنيوية بين المشروعين.
بين الواقعية والتفاؤل
يرى المتفائلون أن صهر ترامب، غاريد كوشنر، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، تمكنا أخيراً من صياغة رؤية جديدة داخل البيت الأبيض بشأن "اليوم التالي" لنهاية الحرب في غزة.
ووفق إحدى الصيغ المطروحة، قد يتولى بلير رئاسة هيئة مؤقتة تُسمى "السلطة الدولية الانتقالية لغزة" لمدة تصل إلى خمس سنوات، بولاية أممية تجعلها "السلطة السياسية والقانونية العليا" في القطاع.
وبغضّ النظر عن جدل إشراك بلير في هذا الدور، فإن الخطة الأمريكية والخطة الأممية تشتركان في عدة عناصر قد تجعل التقارب ممكناً. فكلاهما لا يدعو إلى التهجير الجماعي للفلسطينيين من غزة. ما يُعرف بـ" ريفييرا ترامب" – أي الترحيل القسري أو الطوعي – وهو أمر ترفضه مصر والأردن وكذلك توني بلير.
كذلك، لا تمنح أيّ من الخطتين حركة "حماس" دوراً في إدارة الدولة الفلسطينية المستقبلية. فكلتاهما تصران على نزع سلاح الحركة، لكن من دون حظرها كتنظيم. وهذا يتوافق مع موقف السلطة الفلسطينية التي تطالب حماس والفصائل المسلحة الأخرى منذ سنوات بنزع سلاحها.
كما أن كلا الخطتين تفترضان وقف أي ضمّ إسرائيلي جديد في الضفة الغربية. وبحسب ماكرون، فقد وافق ترامب على ذلك خلال لقائه مع زعماء عرب الثلاثاء الماضي.
عقدة الضمّ والاستيطان
لكن التحدي الأكبر يكمن في مسألة "الضمّ". فوقف أي ضمّ إضافي يُعدّ ضربة قاسية لحركة المستوطنين داخل إسرائيل، في وقت تصر فيه الدول العربية على إدراج هذا الشرط ضمن أي اتفاق.
ويصف جدعون ساعر، وزير الخارجية الإسرائيلي، الأمر بأنه مجرد "تطبيق للقانون الإسرائيلي على التجمعات السكنية في المنطقة (ج)"، وهو تلاعب لغوي يثير الشكوك حول مدى استعداد حكومة نتنياهو لتقديم تنازلات حقيقية.
تباينات جوهرية بين الخطة الأمريكية والأممية
رغم نقاط الالتقاء، تظهر الفوارق سريعاً. فـ"إعلان نيويورك" يقترح إدارة انتقالية تكنوقراطية لعام واحد فقط، تعقبها عودة السلطة الفلسطينية لتولي قيادة دولة موحدة تشمل غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. أما واشنطن، فقد منعت الرئيس محمود عباس من السفر إلى نيويورك، فكيف يمكنها لاحقاً أن تسلم السلطة الفلسطينية مقاليد الحكم؟
الخطة الأمريكية تشترط التزام السلطة الفلسطينية بمجموعة معايير صارمة، تمنح إسرائيل عملياً حق "الفيتو" على مراحل العملية الانتقالية. وتتحدث بعض المسودات الأمريكية حتى عن إدارة منفصلة للضفة وغزة، وهو ما ترفضه السلطة.
كما يختلف الموقف من وكالة "الأونروا": ففي حين يضعها إعلان نيويورك في قلب عملية إعادة الإعمار، تسعى واشنطن وتل أبيب إلى تقويضها بزعم ارتباطها بـ"الإرهاب".
إصلاح السلطة الفلسطينية: المطلب المؤجل
العنصر الحاسم الآخر هو "إصلاح السلطة الفلسطينية"، وهو مطلب قديم تردّد منذ أكثر من عقدين دون تنفيذ. وتشمل الإصلاحات المطلوبة انتخابات جديدة، وقبول المرشحين بميثاق منظمة التحرير والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، وقف دفع رواتب الأسرى، وإصلاح المناهج التعليمية.
غير أن السلطة لم تُجر انتخابات برلمانية منذ عام 2006، فيما يواجه محمود عباس تحديات داخلية متزايدة وسط اتهامات له بإقصاء شخصيات بارزة من المشهد السياسي.
كما تتضمن كلا الخطتين نشر قوة استقرار دولية تبدأ من الحدود المصرية-الإسرائيلية، ثم تدخل تدريجياً إلى غزة مع انسحاب الجيش الإسرائيلي. هذه القوة سترافقها برامج تدريب لأجهزة أمن فلسطينية في مصر والأردن ودول إسلامية أخرى، لتتبع لاحقاً السلطة الفلسطينية.
لكن العقبة الأكبر تبقى في الموقف الإسرائيلي. فبنيامين نتنياهو يرفض حتى الآن الاعتراف بقيام دولة فلسطينية، ولا يقدم رؤية بديلة لمرحلة ما بعد الحرب في غزة.
وبينما يقترب موعد الحسم، يبدو أن أي خطة – سواء كانت أمريكية أم أممية – ستظل رهينة حسابات إسرائيل الداخلية وتعقيدات الواقع الميداني، لتبقى احتمالات الاختراق الدبلوماسي محدودة، والخوف من تكرار سراب جديد قائماً.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMzUg
جزيرة ام اند امز