سلمى الجيوسي.. باحثة موسوعية قدمت "الأدب العربي" إلى نوبل
جائزة الشيخ زايد للكتاب تتوج عطاء الجيوسي الذي امتد لسنوات عديدة كانت فيها مثل الشجرة، التي تمد جذورها في الذاكرة الفلسطينية والعربية
أعلنت جائزة الشيخ زايد للكتاب، الأربعاء، فوز الشاعرة والباحثة والمترجمة والأكاديمية الفلسطينية الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي بلقب شخصية العام الثقافية للدورة الـ14 من الجائزة.
وتتوج الجائزة عطاء الجيوسي الذي امتد لسنوات عديدة كانت فيها مثل الشجرة، التي تمد جذورها في الذاكرة الفلسطينية والعربية، وتصل بأوراقها إلى الثقافة العالمية، إذ لعبت دوراً كبيراً في التعريف بالتراث العربي.
وتقدَّم الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب، الدكتور علي بن تميم، بالتهنئة للجيوسي، مؤكداً في بيان أنها "مثال نادر في الثقافة العربية الحديثة، وهي ترفع اسم المرأة العربية إلى الأعالي، وتؤكد رسوخها في المعرفة والإبداع مثلما تبرز كفاءتها العلمية والتزامها الأخلاقي".
ويمثل فوز الجيوسي بهذه الفئة انسجاماً مع الرؤية بعيدة المدى لجائزة الشيخ زايد للكتاب، لتعزيز مكانة المرأة في الثقافة العربية، وبناء مجتمع عربي منفتح قائم على المساواة والكرامة والإبداع.
وتُمنح الجيوسي ميدالية ذهبية تحمل شعار الجائزة وشهادة تقدير، بالإضافة إلى مبلغ مالي بقيمة مليون درهم.
وقالت الجائزة في حيثيات اختيار الجيوسي إنها "أنجزت على امتداد السنوات عدة أعمال كبرى، ذات طبيعة موسوعية خصت بها الشعر العربي الحديث والأدب الفلسطيني والحضارة الأندلسية، إلى جانب الترجمات التي قامت بها لأعمال من المسرح والشعر والأدب الشعبي".
وأضافت: "وما يضيف إلى أعمال الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي قيمة استثنائية هو أنها أنتجت هذه الأعمال باللغة الإنجليزية، ذلك ما سمح لها أن توصل الثقافة العربية إلى مرتبة أن تصبح مراجع معتمدة عبر جامعات ومؤسسات البحث في العالم"، مؤكدة أن أعمالها تسهم في تقديم ثقافة عربية متنورة برؤية نقدية متفحصة ومنهج علمي حديث منفتح على ثقافة العصر.
ولدت سلمى الجيوسي عام 1928 من أب فلسطيني وأم لبنانية في مدينة صفد الفلسطينية، وترعرعت في عكا وفي القدس، وانتقلت إلى الإقامة في الأردن بعد نكبة 48.
درست الثانوية في كلية شميت الألمانية بالقدس، ثم درست الأدبين العربي والإنجليزي في الجامعة الأمريكية في بيروت، وحصلت على درجة الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة لندن.
وفي بداية مشوارها، قدَّمت نفسها كشاعرة ضمن الموجة الأولى لشعراء قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر بديوانها "العودة من النبع الحالم" عام 1960.
وانخرطت في السجال الذي دار حول التجديد في الشعر العربي ضمن أسماء كبيرة منها أدونيس ومحمد الماغوط وبدر شاكر السياب ونازك الملائكة وصلاح عبدالصبور وجبرا إبراهيم جبرا.
وكانت صوتاً فاعلاً، وكتبت آراءها في كل من مجلتي "الآداب" و"شعر"، ووضعت يدها على معضلة النقاش، مؤكدة "أنَّ الشكل ليس معياراً للحكم على جدارة نص، لأن أي شكل سيصبح يوماً شكلاً قديماً لأن كل شيء يتغير".
وبسبب طبيعة عمل زوجها الدبلوماسي سافرت وأقامت في بلدان مختلفة، ودرَّست في جامعات الخرطوم والجزائر وقسنطينة، ثم سافرت إلى الولايات المتحدة للتدريس في عدد من جامعاتها، وأصبحت كتبها التي نشرتها في دار "بريل" العريقة مرجعاً للشعر العربي الحديث.
وتعاونت مع جامعة كولومبيا الأمريكية في نشر مجموعة من المؤلفات عن الأدب العربي وتاريخه في العصر الحديث.
وفي ربيع عام 1985 دعتها الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم لإعداد دراسة حول وضع الأدب العربي واستحقاق أدبائه لجائزة نوبل، فلبت الطلب، ولما نال نجيب محفوظ جائزة نوبل (1988) دعتها الأكاديمية إلى ستوكهولم لحضور حفل توزيع الجوائز تقديراً لدورها.
وعملت في مطلع الستينيات على ترجمة عدد من الكتب عن الإنجليزية منها كتاب لويز بوجان "إنجازات الشعر الأمريكي في نصف قرن" (1960) وكتاب رالف بارتون باري "إنسانية الإنسان" (1961)، وكتاب آرشيبالد ماكليش "الشعر والتجربة" (1962)، والجزآن الأول والثاني من رباعيّة الإسكندرية للورنس داريل "جوستين" و"بالتازار".
وحصلت على عدد من الزمالات من الجامعات الأمريكية، وعلى وسام القدس للإنجاز الأدبي 1990، ووسام اتحاد المرأة الفلسطينية الأمريكية للخدمة الوطنية المتفوقة 1991.
وأطلقت في عام 1990 مشروع "رابطة الشرق والغرب" (East- West Nexus) بهدف عرض الحضارة العربية والإسلامية قديماً وحديثاً بالإنجليزية عبر مؤتمرات أكاديمية شاملة ومتخصصة، ودراسات بأقلام عربية وغربية، من أجل إزالة المفاهيم الخاطئة والآراء النمطية لثقافات العالمين العربي والإسلامي.
وكانت البداية كتابها الشامل حول الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، الذي صدر في سنة 1992 ولاقى ترحيباً أكاديمياً كبيراً.
وبنجاح مماثل نشرت في سنة 2009 كتابها الموسوعي "حقوق الإنسان في الفكر العربي: دراسات في النصوص"، وفيه البراهين على عمق التراث العربي الفكري في حقوق الإنسان في مراحل تسبق اهتمامات الغرب بها.