«الاعتراف» بفلسطين.. ضغط دولي يحرج إسرائيل ويُشرعن الدولة

في خطوة مفصلية، أعلنت بريطانيا وفرنسا وكندا نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية، مقتربة بذلك من تحقيق مطلب لطالما سعت إليه القيادة الفلسطينية منذ عقود.
مبادرات اعتبرتها صحفية «فايننشال تايمز» تضع حجر أساس جديد في المشهد الدبلوماسي الدولي، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الضغط السياسي لصالح إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
لكنها، تثير تساؤلات جدية حول واقع الأرض التي يُفترض الاعتراف بها، في ظل حرب إسرائيلية مستمرة على غزة، وتوسع استيطاني غير مسبوق في الضفة الغربية، وضم فعلي للقدس الشرقية.
تغيير في قواعد اللعبة الدبلوماسية
ووفقا لصحيفة فايننشال تايمز، تتجاوز التحركات الغربية الترتيب التقليدي لعملية السلام، حيث كان يفترض أن يسبق الاعتراف الدولي اتفاقا بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.
إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت يرى في هذه الخطوة تحولا جذريا في دلالاتها؛ إذ تحولت من "مكافأة للفلسطينيين" إلى "وسيلة لمعاقبة إسرائيل"، تعبيرا عن خيبة أمل المجتمع الدولي من سياسات رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو.
وقال أولمرت، الذي تولى المنصب بين 2006 و2009 وكان آخر زعيم إسرائيلي تعامل بجدية مع حل الدولتين، إن الاعتراف المزمع بدولة فلسطينية يشكل تهديدا لإرث نتنياهو السياسي، والذي قام على تقويض فكرة الدولة الفلسطينية عبر توسيع المستوطنات، وتشويه صورة السلطة الفلسطينية، وربطها بحركة حماس.
وفي ظل استمرار الحرب على غزة، واتهامات بالإبادة الجماعية تُنظر أمام محكمة العدل الدولية، وتهم محتملة بارتكاب جرائم حرب ضد نتنياهو في المحكمة الجنائية الدولية، يلوح في الأفق سيناريو دبلوماسي يهدد بعزل إسرائيل.
فالصين وروسيا تعترفان أصلًا بفلسطين، وإذا لحقت بهما بريطانيا وفرنسا وكندا، فإن أربعة من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن سيعترفون بدولة فلسطينية، ما سيُشكل تحولا نوعيًا في الموقف الدولي.
اعترافات مشروطة وتحفظات قانونية
ورغم الزخم السياسي، لم تأتِ هذه التعهدات من دون شروط. فقد ربط رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الاعتراف بإنهاء الحرب في غزة، فيما طالبت كندا السلطة الفلسطينية بإصلاحات ديمقراطية وتنظيم انتخابات طال انتظارها.
في المقابل، حذّر مسؤولون إسرائيليون من أن هذه الخطوات لن تُغيّر شيئا على الأرض، بل ستقابل بمزيد من التوسع الاستيطاني، كما جاء على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس.
عقبة قانونية
وبحسب الصحيفة، يواجه الاعتراف، بحسب القانون الدولي، عقبة قانونية تتمثل في شروط "اتفاقية مونتفيديو" لعام 1933، التي تفرض وجود حكومة فاعلة وسكانا دائمين وحدودا واضحة، وهي شروط يصعب توفرها في السياق الفلسطيني الراهن.
ورغم أن الواقع على الأرض لن يتغير كثيرا بفعل هذه الاعترافات، يرى الفلسطينيون فيها دفعة معنوية قوية وتعزيزا لمطالبهم بالسيادة. ويقول الدكتور مصطفى البرغوثي، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني: "الاعتراف يكرّس حق تقرير المصير، وهو ما تسعى إسرائيل إلى محوه".
ويرى الدبلوماسيون الفلسطينيون في هذه الخطوة بوابة لتحويل بعثاتهم في الدول الغربية إلى سفارات رسمية، بما يمنحهم وضعًا دبلوماسيًا كاملاً، ويُمكنهم من توقيع الاتفاقات والمعاهدات كدولة ذات سيادة.
غضب أمريكي متصاعد
في المقابل، لم يخف البيت الأبيض انزعاجه من الخطوات الأوروبية، حيث وصفها الرئيس ترامب بأنها تهديد للمفاوضات التجارية مع كندا. كما فرضت وزارة الخارجية الأمريكية عقوبات على منظمة التحرير الفلسطينية، متهمة إياها بـ"تدويل النزاع" من خلال المحاكم الدولية.
تأييد عارم
وتسعى السلطة الفلسطينية بدعم من عدة دول إلى ترقية وضعها في الأمم المتحدة من "مراقب" إلى "عضو كامل"، رغم استخدام الولايات المتحدة حق النقض مرتين ضد هذا المسعى، آخرها في أبريل/نيسان 2024.
لكن أحد الدبلوماسيين الغربيين في القدس علّق بالقول: "صحيح أنهم سيستخدمون الفيتو مجددا، لكن هذه المرة سيواجهون موجة عارمة من التأييد الدولي، وليس مجرد تصويت يمكن تجاهله كما في السابق".
وترى الصحيفة أن الاعتراف بدولة فلسطينية من قوى غربية رئيسية ليس مجرد إجراء رمزي؛ بل هو إعلان عن تحول استراتيجي في مواقف كانت حتى وقت قريب متماهية مع السياسات الإسرائيلية.
وبينما لن يُغيّر هذا الاعتراف ميزان القوى ميدانيًا في الوقت الراهن،
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOTAg
جزيرة ام اند امز