«اللاقمي».. مشروب يدمر مزارع النخيل في ليبيا (خاص)
"لا تفعل ذلك مع هذه النخلة.. فقط افعلها مع تلك التي لم تعد تنتج تمرا".. دار هذا الحوار بين صاحب مزرعة نخيل ليبي ونجله..
وكان ما يريده الابن هو التوسع في استخراج مشروب "اللاقمي" من النخلة، والذي يطلق عليه اسم "عصير النخلة"، بينما كان يريد والده قصر تلك العملية على تلك التي لم تعد تنتج تمرا.
ويقول علي حميد، صاحب المزرعة بغرب ليبيا، والذي يعترف بأن نجله نجح في فرض رأيه، رغم عدم موافقته: "منذ أن ازداد الطلب على هذا المشروب، لتحويله إلى مسكرات، لم نعد قادرين على السيطرة على ولع الأجيال الجديدة به، حيث تراه حلا سريعا للأزمات المادية، بينما نراه نحن وسيلة للمكسب السريع".
ودمرت العديد من مزارع النخيل بمنطقة وادي كعام غرب ليبيا، الشهيرة بكثرة مزارع النخيل، بسبب انتشار هذا المشروب، وفق تقرير للجمعية الليبية لحماية الحياة البرية، والتي تسعى إلى إنقاذ مزرعة حميد وغيره من المزارعين المقاومين لولع الأجيال الجديدة بالمكسب السريع لهذا المشروب.
ويحقق بيع هذا المشروب بعد تحويله لمشروب مسكر أرباحا كبيرة، جعلت هناك توسعا كبيرا في إنتاجه لاسيما خلال الأعوام الماضية، وتسعى الجمعية الليبية لحماية الحياة البرية لوقف هذا التمدد، كما أظهر بيان صحفي صادر عنها.
ويقول البيان الذي اطلعت "العين الإخبارية" عليه: "بدأنا في شهر ديسمبر 2017، انطلاقا من النتائج الخطيرة التي جاء بها التقرير الصادر في أكتوبر من نفس العام، حملة شملت مزارعي النخيل لتوعيتهم بخطورة استخراج هذا المشروب من النخلة، لوجود اعتقاد خاطئ لدى البعض، ولاسيما الأجيال الجديدة، مفادة أنه لا يؤثر على حياة النخلة".
وجاءت فكرة هذا المشروب في الأساس، كمحاولة لخلق استفادة من النخلة التي لم تعد تنتجا تمرا، لكن الخطورة التي ستحاول الجمعية توضيحها للمزارعين، هو أن التوسع في إنتاجه من النخيل المنتج وغير المنتج، يخرج النخيل المنتج من الخدمة سريعا.
ورغم أهمية هذا المسار التوعوي، كما يؤكد الدكتور خليفة دعباج، الأستاذ بكلية الزراعة جامعة طرابلس، إلا أنه يشير في الوقت ذاته إلى أهمية المسار القانوني في هذا الإطار.
ويحمل الدكتور دعباج الأوضاع غير المستقرة مسؤولية تدهور الثروة الليبية من النخيل، حيث تعجز معها الحكومة عن تطبيق قانون قديم صدر في عام 1951، بخصوص ضوابط استخراج هذا المشروب.
ويتضمن القانون عده مواد قيدت استخراج المشروب من النخلة إلا بعد الحصول على موافقة من السلطات المختصة، التي تنتدب خبيرا لمعاينتها، لتحديد إن كانت تنطبق عليها شروط استخراج المشروب أم لا، وفي حالة موافقته على استخراج المشروب يقوم بوضع علامة مميزة على النخلة.
وحدد القانون الذي حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه مواصفات النخلة التي يتم استخراج المشروب منها، أنه لا يجوز استخراجه من النخلة الذكر (الذكار)، كما ألزمت صاحب المزرعة بزراعة نخلة عوضا عن تلك التي يتم استخراج اللاقمي منها، ووضع عقوبات على الأشخاص المخالفين تتضمن السجن والغرامة.
ويقول دعباج: "كان تطبيق القانون والخوف من العقوبات التي توجد به يحد كثيرا من عملية استخراج هذا المشروب، ولكن مع الأوضاع المضطربة التي تعيشها ليبيا، لم تعد متابعه تطبيقه ضمن أولويات الحكومة".
ويمر تصنيع هذا المشروب بعدة خطوات تبدأ بتجريد النخلة من جريدها ثم يكشط عنها الليف حتى يظهر الجمار أو ما يطلقون عليه اسم (شحمة النخلة)، ويحفر بعد ذلك حوضا في الجمار على شكل حلقة مستديرة تنتهي بفتحة صغيرة يوضع فيها أنبوب بلاستيكي إلى خارج رأس النخلة ليصب الشراب في الإناء".
ويشرب هذا المشروب طازجا أو يترك يتخمر ليتحول الى مشروب مسكر، ويمنح تسويقه لاسيما في صورته المسكرة أرباحا كبيرة للمزارع، لكن النخلة في المقابل تفقد قدرتها على الإنتاج، كما تؤكد الدكتورة لبنى محمد، الأستاذ المساعد بالمعمل المركزي للأبحاث وتطوير نخيل البلح بوزارة الزراعة المصرية.
وتقول الدكتورة لبنى لـ"العين الإخبارية": "الجمار أو ما يسمى بـ(القمة النامية) في النخلة هي المصنع المسؤول عن انتاج الأوراق والثمار، وطريقة استخراج هذا المشروب تدمر هذا المصنع، وتفقد النخلة حياتها خلال 48 ساعة على الأكثر".
ووفق تقرير الجمعية الليبية لحماية الحياة البرية، استهلك أحد الشباب في منطقة وادي كعام غرب ليبيا 120 نخلة من بين 200 نخلة ورثها عن والده لصناعة هذا المشروب.
وقال التقرير أن هذه الحالة نموذج لعشرات الحالات التي تسببت في انخفاض الإنتاج الليبي من التمور.
ووصل الإنتاج في بداية 2011 إلى 150 ألف طن، غير أنه تراجع بشدة إلى 80 ألف طن في 2014، ولم يتجاوز 38 ألف طن في عام 2015.