لم يكن هذا التعبير يروق لي، وهو التعبير الذى استخدمه الرئيس السادات فى بداية أزمة العلاقات مع الاتحاد السوفيتى فى سبعينيات القرن الماضي، وكان سبب عدم ارتياحى هو السياق العام الذى كان السادات يدير فيه علاقات مصر الدولية آنذاك،
لم يكن هذا التعبير يروق لي، وهو التعبير الذى استخدمه الرئيس السادات فى بداية أزمة العلاقات مع الاتحاد السوفيتى فى سبعينيات القرن الماضي، وكان سبب عدم ارتياحى هو السياق العام الذى كان السادات يدير فيه علاقات مصر الدولية آنذاك،
لكننى وجدت نفسى أتذكر هذا التعبير بمناسبة الملابسات التى أحاطت بالموقف الروسى من رحلات الطيران الروسية إلى مصر بعد حادث سقوط أو إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء،
إذ انفردت روسيا بين دول العالم بمنع الطيران إلى المطارات المصرية ومنها كافة، وقد سبب هذا خليطا من مشاعر الدهشة والحيرة والمرارة لدى المصريين لما بدا رد فعلٍ قاس من دولة وقفت بحسم إلى جوار مصر بعد ثورة يونيو،
ناهيك عن العلاقات التاريخية بين البلدين. تذكرت هذه الملابسات حين لبيت دعوة كريمة من المجلس المصرى للشئون الخارجية لحضور لقاء خُصص لعرض كتاب بعنوان «روسيا الأوراسية: زمن الرئيس فلاديمير بوتين» الذى ألفه د. وسيم قلعجية الأستاذ بكلية الطب بالجامعة اللبنانية والذى جعلته دراسته العليا بروسيا «يؤمن» بها على حد تعبيره،
وقد نُظم اللقاء بالتعاون مع مركز شراكة الحضارات بجامعة موسكو وبحضور مديره السفير فنيامين بوبوف، وبعد أن عرض المؤلف كتابه، وهو كتاب مهم للغاية لكل مهتم بالشئون الروسية ويروى قصة عودة الحياة لروسيا على يد بوتين بعد ما أصابها عقب تفكك الاتحاد السوفيتي،
فُتح الباب للنقاش، وحين سُمح لى بالكلام تكلمت خارج الموضوع لأن الموقف الروسى من مسألة الطيران بين روسيا ومصر كان يلح على كغيرى من المصريين .
تكلمت فقلت إننى من أشد المعجبين بالرئيس بوتين من منظور محدد وهو قدرته الخارقة على إعادة بناء روسيا بعد التدهور الشامل الذى تعرضَت له فى عقب تفكك الاتحاد السوفيتى ورئاسة يلتسين،
وأضفت أننى ممن يعتقدون أن مهارة القيادة تعود فى جانب أساسى منها إلى قدرات ذاتية أودعها الله سبحانه وتعالى فى بعض خلقه، وبالتأكيد فإن هذه القدرات تتطور بالمعرفة والممارسة والخبرة، وقلت إن ما فعله بوتين صب فى مصلحتنا بغض النظر عن رأينا فى نظامه، لأن من مصلحة دولة كمصر أن تكون روسيا قوية أيا كان نظامها ماركسيا كان أو غير ذلك لتحقيق نوع من التوازن الدولى الذى تحتاجه دولة كمصر لزيادة حرية حركتها فى الساحة الدولية،
ثم انتقلت إلى الحديث عن الخبرة الإيجابية للعلاقات المصرية ـ السوفيتية فى خمسينيات القرن الماضى وستينياته حين وقف الاتحاد السوفيتى إلى جوارنا بصلابة فى بناء قواتنا المسلحة عقب ثورة يوليو 1952 فى مواجهة الشروط الغربية لتزويدنا بالسلاح، ثم فى المعركة ضد العدوان الثلاثى فى 1956ومعركة بناء السد العالى وجهود التصنيع،
ونوهت أخيرا بالموقف الروسى المساند للشعب المصرى فى ثورته ضد حكم الفاشية الدينية فى يونيو 2013 وانتهيت إلى أنه لهذه الاعتبارات كلها فإن هناك قطاعات واسعة من الشعب المصرى تنظر بالدهشة والمرارة للموقف الروسى المتشدد ليس فى وقف الرحلات الجوية إلى شرم الشيخ فحسب وإنما إلى عموم مصر، وهو موقف تفردت به روسيا بين دول العالم ويحتاج وقفة وتفسيرا.
لم يكن بمقدورى أن أضيع فرصة هذا الحضور الروسى المميز دون أن أبث ما يعتمل فى نفسي.
بدأ الدكتور وسيم مؤلف الكتاب يرد على الأسئلة ولاحظت أنه تجارز سؤالي، وفى نهاية حديثه قال لا تحملونى ما لا أحتمل فهذه قضية دبلوماسية يجيب عنها الدبلوماسيون الروس،
وبدا كلامه معقولا فأُعطيَت الكلمة للسفير بوبوف فقال كلاما لطيفا طيبا عن العلاقات المصرية - الروسية لم يشر فيه بحرف إلى الموضوع، وارتسمت على وجهى ابتسامة إذ أحسست أننى سلكت طريقا مسدودا، وعندما بدا أن النقاش سوف ينتهى عند هذا الحد ارتفع صوت الدكتور يسرى أبو شادى أستاذ الطاقة النووية وخبيرها العالمى قائلاً: ولكن سؤال الدكتور أحمد يوسف لم يُجَب عليه والسفير الروسى موجود بيننا، فأعطاه السفير منير زهران رئيس المجلس ومدير الندوة الكلمة.
تحدث السفير الروسى فقال إنه يختلف مع القول بأن هناك تشدداً فى التعامل مع مصر وإنما التشدد مع الإرهاب وأن الحكومة الروسية صاحبة مصلحة كالحكومة المصرية تماماً فى استئناف الرحلات الجوية، لكن هناك تحقيقات وتدقيقات يجب أن تتم، ثم أردف قائلاً ما نصه: «لكنه كان هناك لا أقول مماطلة وإنما بطء فى الاستجابة لمطالبنا» ثم توقع أن تصبح الأمور على ما يرام، وليس بمقدورى بطبيعة الحال أن أحكم على مسألة البطء هذه، لكن الجدير بالذكر أن البعض لديه تصور مختلف مؤداه أن القرار الروسى باستئناف الرحلات الجوية، لا ينبع من اعتبارات الأمان وحدها وإنما من متغيرات ترتبط بقضايا أخرى فى العلاقات بين البلدين فأين الحقيقة؟
*نقلا عن جريدة "الأهرام"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة