السلام وكسر العزلة ودحر الإخوان.. ثمار قطفها السودان من ثورة ديسمبر
مكاسب سياسية واقتصادية عديدة حققها السودان خلال السنوات الثلاث الماضية التي أعقبت خلع نظام الإخوان الإرهابي بثورة شعبية ملهمة.
تلك إشراقات ربما تضيء العتمة التي تعتري المشهد السوداني بفعل خلافات شركاء المرحلة الانتقالية، والتي قادت إلى خارطة طريق جديدة بالمسار الديمقراطي.
ومع حلول الذكرى الثالثة لاندلاع شرارة الثورة في يوم 19 ديسمبر عام 2018، يُجمع مراقبون على أن كسر العزلة الدولية، وتحقيق السلام في البلاد، ودحر الإخوان، في مقدمة المكاسب التي حققها السودان من خلع نظام البشير.
السلام أولا
وقادت السلطات الانتقالية مفاوضات ناجحة مع حركات مسلحة أعادتها إلى حضن الخرطوم، بعد توقيع اتفاق سلام في جوبا، يوم 3 أكتوبر 2020، والذي وضع حداً لعقود من الحرب في إقليم دارفور غربي البلاد؛ ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.
وتوقفت كافة العمليات العسكرية في السودان رغم وجود فصيلين خارج عملية السلام هما (حركة تحرير السودان قيادة عبدالواحد محمد نور، والحركة العبية بزعامة عبدالعزيز الحلو)، وذلك بفضل إعلان الجيش الحكومي وقف إطلاق نار شامل من جانبه.
إنهاء العزلة
وأسهمت المصالحة التاريخية للسودان مع المجتمع الدولي، ورفع اسمه من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، في مكاسب اقتصادية عديدة أهمها، -وفق مراقبين- إعفاء 23 مليار دولار من ديون البلاد الخارجية، واستئناف المساعدات والتمويل الدولي، وفتح آفاق جديدة للاستثمار.
كما تم استئناف التحويلات المصرفية من وإلى السودان بعد توقف لعقود، بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية، المفروضة على الخرطوم منذ تسعينيات القرن الماضي.
ويؤكد المحلل السياسي عباس التجاني أن السودان تقدم كثيراً خلال الثلاث سنوات الماضية في سبيل تحقيق شعارات الثورة وأهدافها، خاصة عملية السلام وإنهاء كثير من القوانين المقيدة للحريات وإبعاد العديد من العناصر الإخوانية من مؤسسات الدولة وبدء إصلاح في العدالة والقضاء والاقتصاد.
عثرة ثم نهوض
ويقول التجاني في حديثه لـ"العين الإخبارية" "إن هذه المكاسب باتت مهددة إلى حد بعيد، حيث علق المجتمع الدولي المساعدات الى البلاد بعد الخطوات التي قام بها الجيش، الشيء الذي يثير الخوف من العودة الى المربع الأول".
وفي 25 أكتوبر الماضي، تدخل القائد العام للجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وأقال الحكومة الانتقالية، وجمد بعض بنود الوثيقة الدستورية وفرض حالة الطواري بالبلاد، مبرراً ذلك بتدهور الأوضاع في السودان.
لكنه عاد وأبرم اتفاقا سياسيا مع رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، في يوم 21 نوفمبر الماضي، قضى بعود الأخير إلى منصبه، كما تم الإفراج عن المعتقلين السياسيين لاحقا.
وأشار عباس التجاني إلى أن المجتمع الدولي رحب بالاتفاق السياسي الذي وقعه رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ورئيس الورزاء عبدالله حمدوك، ولكن استئناف المساعدات يبقي رهين حدوث تسوية شاملة، تضمن استقرار الفترة الانتقالية، ووصولها إلى نهاياتها، بإقامة انتخابات حرة ونزيهة.
سلمية ناصعة
وتمثل الصورة الزاهية التي رسمها العالم للسودان أهم مكاسب التغيير السياسي بالنسبة للمحلل السياسي أحمد حمدان، الذي رأى أن "السودانيين أنجزوا ثورتهم بسلمية وجنبوا بلادهم الانزلاق في دوامة العنف والفوضى بخلاف ما كانت تشير إليه التوقعات، والفزاعات التي ظل يطلقها النظام البائد لكبح الانتفاضة".
وقال حمدان، خلال حديث لـ"العين الإخبارية" إن الصورة الزاهية للسودان ربما تتعرض للتشويه إذا حدث تراجع في الحريات؛ خاصة حرية التجمع والتعبير، ما يستوجب التعاطي بإيجابية مع حركة الاحتجاجات الحالية وعدم تعريض المتظاهرين للسلميين للعنف.
ويرى أن السودانيين لن يقبلوا بغير تحول ديمقراطي حقيقي وإقامة دولة المؤسسات التي فشلت النخب السياسية في تحقيقها على مدار 6 عقود أعقبت استقلال البلاد.
وتفجرت ثورة ديسمبر/كانون الأول في مدينة عطبرة شمالي السودان عبر احتجاجات طلابية ضد غلاء الأسعار وندرة الخبز، لكن سرعان ما تمددت سريعا إلى مدن أخرى، ليرتفع سقف المطالب لـ"إسقاط نظام البشير".
ولم تتوان آلية نظام الإخوان القمعية في استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين في محاولة لإخماد نار الثورة، ما أدى لمقتل عشرات الأشخاص خلال أسابيع.
ومع ذلك تمسك المحتجون بسلمية حراكهم، وهو ما شكل سر نجاح "ثورة ديسمبر"، وفق مراقبين.
ومنذ انطلاقها، ظلت الاحتجاجات تتوسع یوماً بعد الآخر حتى أصبحت تصدر الدعوات لھا من تجمع المهنيين السودانيين والذي كان تكتلا نقابيا يتصدر المشهد حينها.
لكن يظل يوم 6 أبريل/نيسان 2019 حاسماً في مسيرة الاحتجاجات السودانية؛ حيث وصل آلاف المتظاهرين إلى محيط القيادة العامة للجيش في الخرطوم، ودخلوا في اعتصام مفتوح إلى حين تنحي الرئيس المعزول عمر البشير.
وبعد 5 أيام من بدء الاعتصام أعلن الجيش السوداني عن عزل البشير، وحل حكومته، وتشكيل مجلس عسكري يدير دفة الحكم، وهو الأمر الذي لقي حينها تأييدا كبيرا من شباب الثورة التي نجحت في إنهاء عقود من حكم الإخوان.
aXA6IDE4LjIyNS4yNTUuMTk2IA==
جزيرة ام اند امز