حمد بن جاسم وإسرائيل.. علاقات "الظلام" تفضحها اتفاقات "النور"
المخطط الأول للسياسات القطرية حمد بن جاسم تمخض فأنجب 12 تغريدة حاول بها النيل من مكانة الإمارات عربيا ودوليا
حتى لا تتوه الحقيقة ويختلط الحابل بالنابل، يجب التفريق بين تطبيع مع طرف على "الطريقة الجاسمية" نسبة لحمد بن جاسم رئيس وزراء قطر الأسبق ومعاهدة سلام ثلاثية علنية تلزم أطرافها بقواعد واضحة.
تمخض المخطط الأول للسياسات القطرية حتى الآن حمد بن جاسم فأنجب 12 تغريدة حاول بها النيل من مكانة الإمارات عربياً ودولياً، لكنه أغفل فروقا جوهرية في السياسات الدولية.
مقارنة بسيطة يحكمها معصم الدبلوماسية الواقعية والسياسة العقلانية التي تنتهجها الإمارات، في مقابل انتهازية ومتاجرة ربحها قليل بالقضية الفلسطنية التي دأبت عليه الدوحة.
في النموذج الإماراتي قيادة حكيمة شجاعة تعرف كيف تتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب، ممثلة في الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بالإمارات، الذي لطالما لعب دورا محوريا في رأب الصدع ولم الشمل وتقريب وجهات النظر لأجل أمن واستقرار المنطقة.
أما تنظيم الحمدين فلم يخجل حمد بن جاسم -أحد أبرز وجوهه- من الإعلان صراحة بإقامة علاقات مع إسرائيل، "تزلفا وتقربا من أمريكا"، وأعلنت استعدادها التطبيع المجاني دون حل القضية الفلسطينية.
بوضوح نجحت الإمارات في معاهدة سلام منظمة وبآليات منتجة في مصنع السياسات الخارجية الإماراتية، في مقابل قرارات كانت تتخذ في جنح الظلام وبأسلوب الصفقات، عبر زيارات سرية لإسرائيل، اعتاد بن جاسم القيام بها إبان عمله وزيرا للخارجية القطرية (1992-2013) ورئيساً للوزراء (2007-2013) أسهمت في تكريس الانقسام الفلسطيني.
فرق ثالث بين سياسة إماراتية واضحة تقول في العلن ما تردده في السر، وأخرى قطرية متناقضة تزعم الدفاع عن القضية الفلسطينية في العلن وتبيعها بلا ثمن في الغرف المغلقة.
فهناك فرق بين دولة تتاجر بالقضية منذ 25 عاما، وعرضت مرارا وتكرارا تطبيعا مجانيا بلا مقابل، فكرست الانقسام الفلسطيني وأسهمت تدخلاتها في خسائر متلاحقة لقضية العرب الأولى وتراجع الاهتمام ببحث حلول لها دوليا، وأخرى قامت خلال دقائق معدودة في اتصال هاتفي بإنجاز تاريخي أنقذت بموجبه أكثر من 30% مما تبقى من أرض فلسطين من أن يتم ضمه والاستيلاء عليه.
متاجرة بالقضية
في تغريداته عبر "تويتر"، حاول بن جاسم باستماتة التشكيك في أهمية معاهدة السلام الثلاثية بين الإمارات والولايات المتحدة وإسرائيل والافتراء عليها كما اعتاد، رغم إيقافها خطة الضم الفلسطينية.
ويتحسر بن جاسم في إحدى تغريداته عن الاتفاق عن الفشل الذي لاحقه، محاولا تبرير ذلك بأكاذيب، قام هو نفسها بتكذيبها سابقا.
يقول رئيس وزراء قطر الأسبق "أريد أن أستذكر أوقاتا قريبة عندما فتحنا المكتب التجاري الإسرائيلي وأقمنا مع إسرائيل علاقتنا علنية بعد انعقاد مؤتمر مدريد للسلام".
ثم يضيف "كان هدفنا من ذلك تشجيع إسرائيل على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة إلى حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة، وفق المقررات الدولية والمبادره العربية للسلام التي طرحها الملك عبدالله رحمه الله (العاهل السعودي الراحل)".
ولعل هذه التغريدة تكشف إصرار متواصل من قطر للمتاجرة بالقضية الفلسطينية، وتعمد بن جاسم نسيان اعترافا سابقا له في حوار مباشر مع التلفزيون القطري يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2017 بأن الدوحة أقامت علاقات مع تل أبيب "تزلفا وتقربا من أمريكا وكان من المهم إقامة علاقة مع إسرائيل كي تفتح لك أبواب كثيرة في أمريكا".
حديث بن جاسم هنا كان يشير بوضوح إلى محاولة تثبيت حكم حمد بن خليفة أمير قطر السابق بعد انقلابه على والده في 27 يونيو/حزيران 1995، حيث سارع أمير قطر السابق إلى إقامة علاقات مع إسرائيل، بعد عام واحد من توليه الحكم.
آنذاك تم افتتاح المكتب التجاري في الدوحة من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلي حينها شمعون بيريز عام 1996، ما يشير إلى أنه "أكثر من مكتب"، إذ إن رئيسه كان يحوز رتبة سفير في الخارجية الإسرائيلية".
ولم يتم التوقف عند هذا الحد، بل تم توقيع اتفاقية لبيع الغاز القطري إلى إسرائيل، وإنشاء بورصة الغاز في تل أبيب، وجرى تأسيس قناة الجزيرة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 1996، لتتولى أكبر عملية تطبيع إعلامي على مدار الساعة، وتصبح نافذة يطل منها المسؤلون الإسرائيليون آناء الليل وأطراف النهار داخل كل بيت عربي.
واستكمالا لسياسة الانتهازية السياسية صرح بن جاسم في مايو/أيار 2013 في حوار مع محطة (سي. ان. ان) بأن قطر قد تفكر في توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل إذا كان هذا الأمر يخدم مصلحة بلاده.
أما مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز (كان ولياً للعهد السعودي آنذاك) بشأن تطبيع العلاقات الإسرائيلية العربية شريطة الانسحاب إلى حدود 1967، التي أطلقها عام 2001 وتبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002، التي يشيد بها حمد بن جاسم الآن فقد سعت الدوحة بكل قوة إلى إفشالها.
تطبيع مجاني
بغرابة شديدة، زعم بن جاسم بأن موقف قطر من التطبيع كان "واضحا ومنسجما مع الموقف العربي والدولي الشامل"، قبل أن يرتدي ثوب المظلومية بقوله: "نُهاجَم حتى اليوم في كل مناسبة بسبب تلك العلاقة".
ويغفل الرجل أو يتغافل عن أن اتفاق السلام الثلاثي اتخذته الإمارات بعد تداوله بشكل منظم ونشط ضمن آلية صنع القرار في السياسة الخارجية للدولة، وتم الإعلان عن بنوده بشكل واضح وصريح، بخلاف ما كان يقوم به رئيس وزراء قطر عبر زيارات ولقاءات سرية كان يعرض فيها التطبيع المجاني.
القناة العاشرة بالتلفزيون الإسرائيلي كشفت في تقرير سابق لها أن حمد بن جاسم سبق والتقى وزيرة خارجية إسرائيل السابقة تسيبي ليفني في أحد الفنادق بنيويورك، مؤكداً رغبة الدوحة في إقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب تتمثل في إنشاء سفارات وتمثيل تجاري، دون الاشتراط بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس.
رجل فقد عقله
وفي محاولة واضحة لمحاولة التشكيك في أهمية معاهدة السلام الثلاثية، قال بن جاسم في تغريدة أخرى: "ما لفت انتباهي هو التبرير الذي رافق الإعلان عن الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل، وهو أن إسرائيل جمدت مقابل هذا الاتفاق ضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغور الأردن".
ثم تابع: "وأنه سيُسْمح بفضل هذا الاتفاق للمسلمين بالصلاة في المسجد الأقصى.. يا له من تبرير مضحك ومبك في آن واحد ويحاول أن يتذاكى على العقول.. فماذا عن هضبة الجولان السورية المحتلة التي ضمت؟ وماذا عن مزارع شبعا اللبنانية المحتلة؟".
منطق غريب في الرد يشير بشكل واضح إلى أن الرجل فقد بشكل كامل قدرته على التفكير المنطقي، فهو يريد من الإمارات إثبات ما هو مثبت بمحاولة تشكيك غريبة يشترط فيها على أبوظبي تقديم حل شامل للصراع العربي الإسرائيلي.
وتجاهل بن جاسم معاهدة السلام باعتبارها خطوة مهمة على طريق "التوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
دويلة الخلافة
تغريدة أخرى كشفت مزيدا من الحقد القطري على أي دور إماراتي لتحقيق السلام بالشرق الأوسط، وتكشف في الوقت نفسه سيطرة أدبيات تنظيم الإخوان الإرهابي المدعوم من دويلته على لغته، وتحديداً حين قال: "هل أصبحت أبوظبي عاصمة الخلافة الجديدة حتى يسافر القطريون والمسلمون الآخرون إلى القدس للصلاة في الأقصى عبرها فقط؟!".
وفي تناقض ليس بغريب يكمل: "أنا أؤكد أنني مع السلام ومع علاقات متكافئة مع إسرائيل، والشعب الفلسطيني لم يعطنا تفويضاً بأن نقرر عنه مستقبله، وأنا لدي أصدقاء كثر في أمريكا وإسرائيل وأتواصل معهم باستمرار".
يقول إن لديه أصدقاء في إسرائيل ويؤيد التطبيع معها، ولكنه يرفض أن تنجح الإمارات في إقامة علاقات متكافئة فشل هو في تحقيقها رغم تقديمه تنازلات بلا حدود.
سابقة في تاريخ التفاوض
الإمارات بحكم موقعها الريادي في المنطقة والعالم تقدم حلولا لإحدى أبرز وأقدم القضايا المستعصية عن الحل في العالم، لم تدعِ يوما أنها مفوضة من قبل الشعب الفلسطيني لتقرير مستقبله، بل نجحت -دون أن يطلب منها أحد ومن واقع إحساس قادتها بالمسؤولية عن قضية تعد مركزية في سياستها الخارجية منذ تأسيسها- في إنقاذ 30% من الأراضي الفلسطينية وأكثر من 100 ألف فلسطيني كانوا معرضين للطرد وإنهاء 6 سنوات من الجمود.
كما بثت الروح في المسار التفاوضي للوصول السلام العادل والشامل بعد نحو 3 عقود من مفاوضات بلا جدوى، أي حصلت على مكاسب مقدما للقضية الفلسطينية في سابقة في تاريخ العلاقات العربية الإسرائيلية.
فتحت الإمارات الطريق أمام تسوية وضع الأقصى، وألزمت معاهدة السلام إسرائيل بفتح المسجد أمام المسلمين من بقاع الأرض كافة، ولم تزعم يوما أن شرط الذهاب للأقصى يكون عبر الإمارات.
واشترطت أبوظبي قبيل الذهاب لإقامة علاقات كاملة مع إسرائي، ضمان حرية المقدسات، ووقف الأعمال التي يمارسها الاحتلال في ساحة الأقصى وغيرها من المقدسات الإسلامية والمسيحية.
دقائق معدودة
والخميس، اتفق الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بالإمارات والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في اتصال هاتفي، على مباشرة العلاقات الثنائية الكاملة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة.
وفي أعقاب الاتصال، تم الإعلان عن "وقف إسرائيل خطة ضم أراض فلسطينية"، بناء على طلب الرئيس ترامب وبدعم من دولة الإمارات.
بجانب إيقاف خطة الضم الأراضي الفلسطينية تضمنت معاهدة السلام مواصلة الإمارات وإسرائيل جهودهما للتوصل لحل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية، والسماح لجميع المسلمين أن يأتوا لزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه.
ويعد التوصل إلى هذه المعاهدة -الذي منعت إسرائيل من ضم غور الأردن والمستوطنات بالضفة الغربية وهو ما قدره الفلسطينيون بنحو 30% من مساحة الضفة- بات الدليل واضحا على حكمة الدبلوماسية للإمارات.
وقوبل الإعلان عن معاهدة السلام بترحيب عربي دولي واسع، وهنأت دول عربية بينها مصر والأردن والبحرين وسلطنة عمان وموريتانيا، دولة الإمارات بالتوصل لهذا الاتفاق التاريخي.
وأشادت بريطانيا وفرنسا والنمسا وألمانيا وإيطاليا واليونان، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس والعديد من الساسة والقادة والمسؤولين حول العالم بالاتفاق، واصفين إياه بأنه خطوة تاريخية تعزز من تحقيق فرص السلام في الشرق الأوسط.