من "اللؤلؤ" إلى أعلى قمم العالم.. الإمارات تجربة ملهمة
"هل شعرت يوما بأنك تقف على قمة العالم؟" هذه الكلمات كتبها الممثل الأمريكي الشهير، ويل سميث، على حسابه الرسمي على موقع أنستقرام.
سميث أرفق تلك الكلمات مع مقطع فيديو يصوره وهو يجلس على قمة برج خليفة في دبي، وربما يصعب الآن تخيل دولة الإمارات العربية المتحدة بدون برج خليفة وغيره من ناطحات السحاب التي تتميز بها إماراتا أبوظبي ودبي، لكن بناء تلك الناطحات التي كانت منطقة للكثبان الرملية قبل تشيدها كان وراءه قصة طويلة من النجاح امتدت على مدار خمسين عاما.
فالبلاد التي كانت تعتمد في بداياتها على صيد الأسماك واللؤلؤ، شهدت نموا اقتصاديا هائلاً مدفوعا بثروتها من النفط والغاز، وأصبحت محطة استقطاب مالية وسياحية في الخليج والشرق الأوسط، بحسب بي بي سي.
وتنوعت سياسة دولة الإمارات الخارجية على مدار الخمسين عاما الماضية تبعا للأحداث التي شهدتها المنطقة ومر بها العالم.
دولة الإمارات المتصالحة
وزادت الإمبراطورية البريطانية من أنشطتها التجارية في منطقة الخليج في القرن الثامن عشر الميلادي، وسعت إلى تعزيز قوتها البحرية لحماية المنافذ التجارية مع أهم مستعمراتها، الهند. في ذلك الوقت، كانت تقطن قبيلة عربية تعرف باسم قبيلة القواسم مناطق فيما يعرف الآن بدولة الإمارات، حيث أسست إمارة كبيرة في رأس الخيمة والشارقة.
مع بداية القرن التاسع عشر، وسع القواسم نطاق حكمهم ليشمل مناطق في شرق الخليج وشماله، وبنوا أسطولا كبيرا من السفن، ووقعت بريطانيا سلسلة من الاتفاقيات مع مشيخات الخليج، تعهد بموجبها زعماء تلك المشيخات بعدم الدخول في أي اتفاقات مع دول أخرى بدون موافقة بريطانيا. في المقابل، تعهدت بريطانيا بتوفير الحماية لتلك المشيخات، التي كان يطلق عليها آنذاك "الإمارات المتصالحة"، أو "إمارات الساحل المتصالح".
وأبقت بريطانيا على وجودها في الخليج بعد استقلال الهند (1947)، حيث أدى اكتشاف احتياطيات هائلة من النفط إلى إكساب منطقة الخليج أهمية جيوسياسية جديدة، بعد أن كانت أهميتها مرتبطة بموقعها على الطريق المؤدي إلى الهند.
بحلول أواخر خمسينيات القرن العشرين، تعرض الوجود البريطاني لانتقادات جديدة مع ازدياد النزعة القومية في المنطقة العربية. ورغم أن الكويت حصلت على استقلالها عام 1961، إلا أن هيمنة بريطانيا على منطقة الخليج استمرت حتى عام 1971، عندما غادرت المنطقة رسميا.
تأسيس الدولة الحديثة
بدأ تاريخ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة بعيد إعلان بريطانيا في عام 1968 اعتزامها الانسحاب من المنطقة في عام 1971. في تلك الأثناء، سعى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي آنذاك، إلى إقامة علاقات وثيقة مع باقي الإمارات المتصالحة. ودعا الشيخ زايد وحاكم دبي الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم إلى إعلان اتحاد فيدرالي بين تلك الإمارات السبع التي تشكل دولة الإمارات الحديثة، إضافة إلى قطر والبحرين.
وبعد الكثير من المفاوضات، خرجت البحرين وقطر من الاتحاد، ودخلت ست إمارات هي دبي وأبوظبي والفجيرة وعجمان وأم القيوين والشارقة في الاتحاد الذي تم تشكيله باسم دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر/كانون الأول عام 1971، وانضمت إليها إمارة رأس الخيمة في العام التالي.
الشيخ زايد.. شعبية كبيرة داخليا وعربيا
ظل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكماً لإمارة أبوظبي ورئيساً للإمارات لأكثر من ثلاثة عقود (1971-2004).
وتمكن الشيخ زايد من تحقيق نهضة اقتصادية كبيرة في دولة الإمارات، وكان يحظى بشعبية في داخل البلاد بوصفه الأب المؤسس، وعلى الصعيد العربي، نظراً لمواقفه المساندة للعديد من البلدان العربية، لا سيما تأييده للقضية الفلسطينية ومساندته لكل من مصر وسوريا في حرب عام 1973، عندما قام بقطع إمدادات النفط عن الغرب - وربما يتذكر كثيرون مقولته الشهيرة بأن "النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي".
وفي أثناء الغزو العراقي للكويت، كان الشيخ زايد من أوائل القادة العرب الذين نادوا بالمصالحة. وبعد اندلاع الحرب الأهلية في اليمن عام 1994، بذل رئيس دولة الإمارات الراحل جهوداً للوساطة بين الفرقاء.
جيل جديد وراء دفة القيادة
في أكتوبر/تشرين الأول 2010، توفّي آخر الآباء المؤسسين لدولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ صقر بن محمد القاسمي حاكم إمارة رأس الخيمة.
وبدأ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية بتنسيق أمور الحكم مع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. وعُرف الاثنان بوصفهما رائدين للتنمية والتطوير في البلاد.
وانتهجت الإمارات على مدى العقود الثلاثة التي قادها مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، سياسة وسطية حيادية إلى حد كبير في القضايا الإقليمية والدولية، وارتبطت بعلاقات وثيقة مع بلدان الخليج الأخرى، وكذلك الدول العربية والإسلامية.
اتسمت تلك الفترة أيضا بالتزام دولة الإمارات بقضايا "العروبة"، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وقد شاركت في الحظر النفطي إبان حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973.
مع بداية الألفية الثانية، طرأت تحولات كبيرة على سياسة البلاد الخارجية، حيث ركزت اهتمامها على التغيرات الطارئة على الاقتصاد العالمي، وسعت إلى إيجاد مكان لها في مجالات كالطيران المدني والطاقة المتجددة.
وطوال العقد الماضي، ازدادت إسهاماتها الأمنية الإقليمية بشكل مطرد، ليس فقط في منطقة الخليج، بل على نطاق أوسع في المنطقة العربية. ولا شك أن النهضة الاقتصادية الكبيرة التي شهدتها دولة الإمارات، والمشاريع التنموية والعمرانية والسياحية الضخمة التي أنجزتها البلاد، وتركيزها على تنويع الاقتصاد واستخدام أحدث التقنيات في مختلف المجالات كان لها دور كبير في تعزيز ثقلها الإقليمي.
ويقول د. غويدو شتاينبيرغ من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية "Stiftung Wissenschaft und Politik" إن الإمارات عززت موقعها كقوة إقليمية في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي"، وأنها لم تعد لاعبا ثانويا في الشرق الأوسط، بل أضحت تتمتع بنفوذ يتخطى حدودها بمسافات بعيدة.
وفي هذا الإطار يقول الأكاديمي الإماراتي الدكتور عبدالخالق عبدالله في مقال بصحيفة الرؤية إن "الإمارات أكثر من غيرها قادرة على قيادة هذا الزخم التوافقي في المنطقة التي اكتوت واكتفت من الصراعات والمناكفات التي ميزت مرحلة الربيع العربي. البلدوزر الإماراتي تحرك وهو الذي يمهد الطريق لغيره لتبريد الخلافات المزمنة".
aXA6IDMuMTQ0LjI1LjI0OCA= جزيرة ام اند امز