عاصمة «الفحم الصلب».. حجر الزاوية في طريق ترامب وهاريس
أن يزور ترامب ولاية بنسلفانيا مرتين في خمسة أيام، فهذا يشي بأن الطريق إلى البيت الأبيض لا يكتمل دون "حجر الزاوية".
ومع بقاء أقل من أربعة أسابيع حتى الانتخابات الأمريكية، فإن السباق إلى البيت الأبيض متقارب كما كان خلال الأسبوعين الماضيين.
إذ يُظهر متوسط استطلاعات الرأي لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن كامالا هاريس ودونالد ترامب متعادلان بشكل أساسي في الولايات السبع المتأرجحة التي يُنظر إليها على أنها الأكثر احتمالاً لتقرير مصير الرئاسة.
ومن المقرر أن يزور ترامب، في وقت لاحق اليوم الأربعاء، ولاية بنسلفانيا، إحدى الولايات المتأرجحة، حيث يعقد تجمعات في مناطق يسكنها بكثافة ناخبون من الطبقة العاملة، والتي يُنظر إليها على أنها كتلة تصويتية رئيسية في السباق الصعب بين المرشح الجمهوري ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
أحد التجمعيْن سيكون في مدينة سكرانتون، مسقط رأس الرئيس جو بايدن، حيث يتطلع ترامب إلى كسب أصوات الناخبين من ذوي الياقات الزرقاء الذين كانوا تقليديا موالين للرئيس الأمريكي الحالي في الولاية المتأرجحة.
وفي حين يرتبط بايدن في الغالب بولاية ديلاوير باعتباره عضوا سابقا في مجلس الشيوخ هناك، فإن سكرانتون هي جزء أسطوري من قصة أصله، حيث ولد في المدينة الصناعية ونشأ في منزل متواضع.
سكرانتون.. درس في التحدي
ووفق ما طالعته "العين الإخبارية" في الموقع الإلكتروني للمدينة، تأسست سكرانتون عام 1866، وسميت بهذا الاسم تكريما لجورج دبليو وسيلدن سكراينتون، اللذين أسسا شركة تحمل الاسم نفسه في 1840.
بحلول أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر، أصبحت سكرانتون واحدة من المراكز الصناعية الرائدة في الولايات المتحدة، وحصلت على لقب "عاصمة الأنثراسايت (أو الفحم الصلب) في العالم".
جاء العمال ورجال الأعمال من جميع أنحاء العالم إلى المدينة لاستخراج الفحم الحجري، وتشغيل السكك الحديدية، والعمل في مصانع النسيج.
بعد مطلع القرن العشرين، شهد اقتصاد سكرانتون انحدارا. إذ حل النفط محل الفحم باعتباره الخيار الأكثر شعبية للطاقة، وتوقف التعدين في المنطقة بحلول الخمسينيات.
ومن الصناعة إلى الابتكار، أصبحت سكرانتون الآن موطنا لمنطقة أعمال متنامية.
بيج كونيتي التي كان عليها التغلب على تحد جسيم في مدينة لم تشهد يوما امرأة تتولى منصب العمدة، قيل لها حين ترشحها للمرة الأولى لهذا المنصب، إنها لن تفوز في انتخابات المدينة لأن عائلتها لا تنحدر من أصل إيرلندي. لكنها في النهاية خطفت المقعد.
وهو التحدي نفسه الذي تسعى إليه هاريس (ابنة لأم من الهند وأب من جامايكا)، في محاولة لاستمالة الناخبين الذين ساعدوا كونيتي على الفوز في هذه المدينة.
ووفق الإحصائيات الرسمية، انخفضت نسبة السكان البيض في المدينة من 80 في المئة قبل عقد إلى 68 في المئة اليوم، مما يعكس تحولاً ديموغرافياً ملحوظاً.
معركة شرسة
ويخوض ترامب معركة شرسة مع نائبة الرئيس كامالا هاريس في ولاية بنسلفانيا، وهي من بين ولايات "ساحة المعركة" ومن المرجح أن تثبت أصواتها الانتخابية الـ 19 أنها حاسمة لمن يفوز في انتخابات الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
وفيما يبذل المرشحان جهودا متضافرة للفوز بالولاية، كان ترامب قد اجتذب حشدا كبيرا عندما عاد يوم السبت الماضي إلى بتلر بولاية بنسلفانيا، حيث تعرض من قبل لمحاولة اغتيال في 13 يوليو/تموز الماضي.
وقال مصدر لوكلة رويترز، إن الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك، الذي كان مع ترامب في بتلر، يخطط لمزيد من الحملات في بنسلفانيا لصالح الرئيس السابق، بينما من المتوقع أن يصل الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما إلى الولاية يوم الخميس لإعطاء دفعة لهاريس.
وبالإضافة لزيارة ترامب إلى سكرانتون، فإن الحدث الثاني في ريدينغ بولاية بنسلفانيا، يوم الأربعاء، سيعطيه فرصة أخرى لمحاولة جذب الناخبين من الطبقة العاملة، حيث تظهر بعض استطلاعات الرأي أنه يكتسب أرضية مع هذه الكتلة.
ومنذ إعلان ترشحه، جعل ترامب الاقتصاد الأمريكي موضوعا مركزيا لحملته الانتخابية، ووعد بفرض رسوم جمركية على بعض الواردات لزيادة إنتاج السلع في الولايات المتحدة وتعزيز التوظيف.
وأظهر أحدث استطلاع رأي أجرته رويترز-إبسوس، أن المشاركين ذكروا أن الاقتصاد هو القضية الرئيسية التي تواجه البلاد.
ولفت الاستطلاع إلى أن حوالي 44٪ قالوا إن ترامب كان لديه نهج أفضل في معالجة "تكلفة المعيشة"، مقارنة بـ 38٪ اختاروا هاريس.
إلى جانب السياسات الاقتصادية لجذب الأصوات في بنسلفانيا، يقفز ملف الطاقة وتحديدا الوقود الأحفوري والغاز الطبيعي والفحم، إذ إنه على المرشح الرئاسي أن يقدم برنامجا مقنعا يساهم في الحفاظ على هذه الصناعة التي يعتمد عليها سكان الولاية والتي تصطدم مع توجهات العالم نحو تبنى سياسيات صديقة للبيئة تخفف من الاعتماد على الغاز الطبيعي والأحفوري.
لماذا بنسلفانيا؟
تبدو بنسلفانيا كأهم ولاية أمريكية من بين ولايات أخرى تشكل حجر الزاوية في طريق البيت الأبيض.
وبالنسبة للمرشحين، فإن الفوز بأصوات بنسلفانيا الانتخابية التسعة عشر من شأنه أن يجعلهما على أعتاب الوصول إلى عتبة 270 صوتا انتخابيا (إجمالي أصوات المجمع الانتخابي).
بنسلفانيا في سطور
يأتي ترتيب بنسلفانيا الـ33 بين الولايات الأمريكية الخمسين من حيث المساحة والخامس من حيث عدد السكان، والتاسع من حيث الكثافة السكانية.
والولاية التي تتخذ منها كبرى الشركات الأمريكية مقرا لها، تحتل المرتبة السادسة من حيث أكبر ناتج محلي، في وضع يقول محللون إنها لو كانت دولة لجاءت في المرتبة الـ19 في الاقتصاد العالمي.
في ذروة الأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم عام 2008، لم تتأثر الولاية كثيرا بتداعيات ذلك التسونامي، لكن جاءت جائحة كورونا لتسجل فيها معدلات بطالة بلغت 13٪.
يتوزع سكان بنسلفانيا على 80٪ من البيض، و26٪ من الكاثوليك.
وتتمتع الولاية بتاريخ طويل كونها ذات أهمية في الانتخابات الرئاسية، حيث اختارت 20 من آخر 25 رئيسا للولايات المتحدة.
ولكي يفوز المرشح بالرئاسة عليه أن يحصل على أصوات 270 من الهيئة الانتخابية، أي الغالبية المطلقة لكبار الناخبين وعددهم 538، وهو رقم يوازي عدد أعضاء الكونغرس، بالإضافة إلى ثلاثة ناخبين كبار عن مدينة واشنطن التي لا تنتمي إلى أي ولاية.
ميول متقلبة
تحولت بنسلفانيا من ولاية ذات ميول جمهورية خلال معظم القرن العشرين إلى إحدى ولايات ساحة المعركة في الانتخابات. ففي الفترة ما بين عام 1992 إلى 2012، دعمت الولاية المرشح الديمقراطي في ستة انتخابات متتالية.
ومع ذلك، فقد فاز بالولاية التي يعيش فيها 12 مليونا و800 ألف شخص، المرشح الجمهوري دونالد ترامب عام 2016.
واليوم يحاول الفوز بالولاية من خلال قطع وعود بانتعاش في الاقتصاد إذا أعيد انتخابه فيها.
فهل يفعلها ترامب؟ أم ستكرر هاريس الإنجاز الذي حققه بايدن في مدينة سكرانتون.