انقلاب الساعات الثلاث.. دراما سياسية في بيرو من بطولة "مدرس الأرياف"
ثلاث ساعات صاخبة كانت كفيلة بأن تقلب عقارب موازين السلطة في بيرو، البلد الذي يعاني منذ أمد طويل من اضطرابات سياسية.
دراما سياسية بدأت فصولها بمرسوم رئاسي بحل البرلمان قاد إلى استبدال رئيس البلاد اليساري بيدرو كاستيلو، بنائبته التي أدت اليمين، في خطوة لاقت استنكارا باعتبارها "انقلابا".
وأمس الأربعاء، كانت بيرو تستعد لإجراء ثالث تصويت لعزل الرئيس، وفي هذه المرة بدا كاستيلو الرجل البالغ من العمر 53 عاما، وكأنه يتحسس أن هناك ما يكفي من الأصوات للإطاحة به في البرلمان الذي تهيمن عليه المعارضة.
في الليلة السابقة، قال الرئيس الذي تولى منصبه قبل 18 شهرا فقط، في خطاب غير معتاد في منتصف الليل على التلفزيون الحكومي قبل التصويت، إن قطاعا معينا من الكونغرس (البرلمان) قد خصصه له وأنه كان يدفع ثمن أخطاء ارتكبت بسبب قلة خبرته.
وقبل وقت قصير من ظهر الأربعاء، ظهر كاستيلو على التلفزيون الرسمي وأعلن حل الكونغرس، وقال إن الانتخابات ستجرى لاختيار نواب جدد وستتم كتابة دستور جديد، قبل الإعلان عن استقالة العديد من أعضاء حكومته على الفور.
خطابٌ جرّ معه مواقف مستنكرة، ومشرعين تحدوا الرئيس واجتمعوا فيما يبدو قبل ظهور الأخير، لمناقشة موضوع العزل، الذي بُرر قانونا بـ"العجز الأخلاقي" لكاستيلو عن ممارسة السلطة.
بعد ساعتين من خطابه، صوت المشرعون الذين تجاهلوا مرسوم كاستيلو على إقالته، وحصلوا هذه المرة من الأصوات على 101، مقابل رفض ستة، وامتناع 10 عن التصويت.
وبذلك يكون كاستيلو ثالث رئيس يعزل في بيرو، منذ عام 2018، بموجب "العجز الأخلاقي".
عزل الرئيس لاقى انتقادات من أنصاره، واعتبروا ما حصل " اختطافا من الشرطة بتدبير وخيانة من الكونغرس".
رئاسة قصيرة الأجل
تقول فلافيا فريدنبرج، أستاذة العلوم السياسية في جامعة المكسيك الوطنية المستقلة، لوكالة أسيوشيتد برس، إن رئاسة كاستيلو كانت تبدو منذ البداية قصيرة الأجل.
مضيفة "إنه رئيس تولى منصبه بمستوى منخفض جدا من الدعم، ولم يكن لديه حزب سياسي، وواجه صعوبة في تشكيل مجلس الوزراء الذي تغير باستمرار وكان هناك صراع مستمر على السلطة مع الكونغرس (البرلمان)".
عندما انضم إلى السباق ليحل محل الرئيس فرانسيسكو ساغاستي قدم كاستيلو، الذي عمل مدرسا في مدرسة ريفية بمنطقة فقيرة في أعالي جبال الأنديز، وعودا بتأميم صناعة التعدين الرئيسية في بيرو وإعادة كتابة الدستور، وحصل على الدعم في المناطق الريفية.
لكن عند توليه منصبه في يوليو/تموز 2021، كافح كاستيلو على الفور مع خيارات وزرائه، حيث اتُهم عدد منهم بارتكاب مخالفات.
ويرى إريك فارنسورث، نائب رئيس "مجلس الأمريكيتين": أن الرئيس المعزول"لم يوحد البلاد، ولا يبدو أنه يبذل الكثير من الجهد على هذا المنوال".
وتابع في حديث للوكلة نفسها "لم يكن لديه الكثير من التفويضات، ولذا فهو لم يروج لسياسات يمكن التعرف عليها بسهولة على أنها لصالح غالبية الناس، وبدلا من ذلك تورط في المعارك مع الكونغرس".
محاولتان والثالثة ثابتة
وجاءت المحاولة الأولى لعزل كاستيلو في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وفي ذلك الوقت استشهدت مجموعة صغيرة نسبيا من نواب المعارضة بتحقيق أجراه المدعون في التمويل غير المشروع للحزب الحاكم.
ولإقالة الرئيس في بيرو يتطلب الأمر تصويت ثلثي النواب البالغ عددهم 130 لصالحه.
وفي مارس/آذار الماضي، حاول الكونغرس عزل الرجل مرة أخرى بتهمة "العجز الأخلاقي الدائم" ، وهو مصطلح مدرج في القانون الدستوري البيروفي، ويقول الخبراء إنه يفتقر إلى تعريف موضوعي وإن الكونغرس استخدمه أكثر من ست مرات منذ عام 2017 لمحاولة عزل الرؤساء.
وفي كل مرة، دافع كاستيلو عن نفسه، أمام محاولات عزل البرلمان، وكتب بعد المحاولة الثانية على "تويتر": "الفطرة السليمة والمسؤولية والديمقراطية سادت".
حينها استفاد من حقيقة أن الكونغرس المكون من مجلس واحد كان منقسما بشدة، في حين كان حزبه لديه أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، لكن مع 37 مقعدا فقط لم يتمكن وحده من حمايته.
كاستيلو رهن الاعتقال ونائبته تنشد "الإنقاذ"
في هذه الأثناء، تم نقل الرئيس المعزول من القصر الرئاسي إلى مركز للشرطة، قبل أن يُعلن ممثلو الادعاء أن الرئيس قد اعتقل بتهمة "التمرد".
وظهر الرئيس في صور نشرها مكتب المدعي العام، في غرفة محاطا بمدعين عامين وعناصر من الشرطة.
في الثالثة مساء بتوقيت بيرو، أدت دينا بولوارت، المحامية البالغة من العمر 60 عاما، اليمين كأول رئيسة لبيرو، داعية إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وقالت بولوارت إن أول عمل لها سيكون معالجة الفساد الحكومي، وهو ما أدى ظاهريا إلى سقوط كاستيلو، مضيفة "كل ما أطلبه هو الوقت لإنقاذ البلاد".
كانت بولوارت قد طُردت في يناير/كانون الثاني من حزب بيرو الحرة الماركسي، الذي أوصل كاستيلو إلى السلطة، بسبب ما قالت إنه لا يشارك أفكار أمينه العام.
فريد نبرج، أستاذ العلوم السياسية، اعتبر أن أداء بولوارت اليمين "علامة تبعث على الأمل".
وقال: "إنها فرصة فريدة لإظهار قدرات المرأة البيروفية في بلد كاره للنساء وتمييزي، وحيث تواجه النساء الكثير من المتاعب في محاولة الوصول إلى الحكومة".
وتتولى بولوارت المنصب بتفويض ضعيف بدون حزب، ولهذا يرى إريك فارنسورث، نائب رئيس مجلس الأمريكتين، أن عليها "أن تبدأ في الحكم بطريقة تصل إلى المعارضين السياسيين وتسعى أيضا إلى توحيد تحالف المؤيدين".
وأضاف "من أجل أن يكون لديك حكومة نشطة وقوية، يجب أن يكون لديك الائتلاف الكبير بما يكفي لدفع السياسات والمشرعين خلفك".
وتساءل فارنسورث عما إذا كان كاستيلو سيُحاكم أو يُسمح له بطلب اللجوء في بلد آخر.
ولأن انعدام الاستقرار في بيرو مشكلة مزمنة، حيث تولى رئاستها ثلاثة رؤساء في غضون خمسة أيام عام 2020، وأصبحت بولوارت سادس رئيس منذ 2016، تنبعث تساؤلات من رحم الاضطرابات، هل سيخرج الشعب للاحتجاجات أم سيعطي الأمور فرصة لتهدأ وتعود إلى نوع من الحياة الطبيعية؟
aXA6IDE4LjE5MS4yMDAuMTE0IA== جزيرة ام اند امز