"صيادلة مصر" تكشف لـ"العين الإخبارية" كواليس قرار شغل الناس (حوار)
اتخذت غالبية الصيادلة في مصر مؤخراً موقفاً جماعياً بالامتناع عن إعطاء الحقن داخل الصيدليات، وذلك بعد وفاة طفلتين بسبب إعطائهما حقنتين في صيدلية من دون إجراء اختبار للحساسية.
وبرر الصيادلة قرراهم بأنهم يتعرضون لاعتداءات ويدفعون ثمن مواقفهم الإنسانية بإعطاء المريض الحقنة لعلاجه سريعاً حتى لا يضطر إلى الذهاب للمستشفى، لكن كثيرون يجهلون أسباب إجماع أصحاب الصيدليات على الامتناع عن إعطاء الحقن.
وفي حوار مع "العين الإخبارية"، تحدث الدكتور أحمد عبيد، أمين صندوق النقابة العامة للصيادلة في مصر، عن أسباب اتخاذ هذا القرار، وتبعاته، وموقف وزارة الصحة من الأزمة، فضلا عما يثار مؤخرا بشأن وجود أدوية مغشوشة في السوق المصرية. وإلى نص الحوار:
لماذا امتنعت الصيدليات عن إعطاء الحقن؟
مبدئيا يجب أن نعلم أن هناك نحو 80 ألف صيدلية في مصر تعطي من 2 إلى 2.5 مليون حقنة يوميا مجانا، وتعارف الناس منذ زمن طويل على أخذ الحقن في الصيدليات، وبالفعل فإنها تعطي نحو 90% من الحقن يوميا، ومن المعروف أن العرف المتوارث على مدار التاريخ يعادل قوة القانون.
أيضا يجب أن نعرف أن القرارات الوزارية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي أوضحت أن إعطاء الحقن اختصاص الطب البشري والتمريض، لكن لم تنف عن الصيدلي مهمة إعطاء الحقن داخل صيدليته، وما يتضمنه القانون في هذا الإطار هو اشتراط وجود محرقة سنون عند افتتاح الصيدلية، وهو اعتراف ضمني بأن من حقهم إعطاء الحقن.
خلال السنوات الأخيرة، بدأت تظهر حساسية زيادة لدى البعض من بعض الحقن خصوصاً حقن المضاد الحيوي، كما الحال في حادثة الإسكندرية.
لماذا الآن؟
قرار الصيادلة بالامتناع عن إعطاء الحقن في الصيدليات سببه ما حدث مع الصيدلانية الدكتورة مها عويضة في واقعة وفاة طفلتي مينا البصل.
فوجئنا بأن قرار النيابة أحال الصيدلانية إلى محكمة الجنايات بتهمة القتل العمد بدلا من محكمة الجنح بتهمة القتل الخطأ، لذا كان لا بد من وقفة لأننا نقدم الخدمة مجانا لمساعدة المواطنين، وهذا القرار أثار حفيظة جموع الصيادلة.
أيضا تضمن قرار النيابة في هذه الواقعة تجريم إعطاء الصيادلة للحقن في الصيدليات، وبما أن النيابة ترى أن هذا ليس دورنا فلن نفعله، وبالتالي أصدرت نقابة الصيادلة قرارا بالامتناع عن إعطاء الحقن في الصيدليات.
وما لا يدركه كثيرون أن الصيادلة لا يحصلون على مقابل مادي عند إعطاء الحقن، بل على العكس عندما امتنعوا عن فعل ذلك واضطر المواطنون لأخذها في المستشفيات الخاصة دفعوا مقابلا ماديا تراوح من 30 جنيها في المناطق الشعبية إلى أكثر من 150 جنيها في المناطق الراقية.
وفي النهاية، الصيادلة على مدار الأيام وبتعدد الأحداث لم يتوانوا عن خدمة المريض المصري بل إن بعض الصيدليات تعمل 24 ساعة بهدف إنقاذ مريض يحتاج لتدخل سريع في أوقات متأخرة، لذا فالصيادلة يعملون من وازع مهني أكثر من كونه دافعا تجاريا.
وأين وزارة الصحة من أزمة الحقن؟
في محاولة لحل الأزمة، أصدر وزير الصحة الدكتور خالد عبدالغفار قرارا وزاريا بأحقية الصيادلة في إعطاء الحقن بعد اجتياز تدريب في مستشفيات الحكومة لمدة يوم.
ورغم تحفظ الصيادلة على التدريب فإن الأمر إلى هنا جيّد، لكن المشكلة في أن القرار الوزاري لم يتطرق من قريب أو من بعيد إلى حماية الصيدلي في حال حدوث حساسية للمريض.
لذا نحن نطالب بقانون خاص بالمسؤولية الطبية، كما سبق وطالبنا بوجود قواعد إرشادية أو بروتوكول محدد في حالة إصابة مريض بالحساسية بعد أخذ الحقن.
مع العلم أن العالم بأسره لا يجري اختبار الحساسية إلا عند إعطاء حقن البنسلين فقط، فهذا هو العقار الوحيد المعترف بيه طبيا يستلزم إجراء الاختبار، لكننا نجرى اختبار الحساسية احتياطيا ليعرف هل نعطي المريض الحقنة أم لا.
وما موقف النقابة من قرارات وزارة الصحة؟
الصيادلة سبقوا نقابتهم وبدأوا حملات الامتناع عن إعطاء الحقن قبل قرارنا لأنهم شعروا بالخطر، والنقابة لا يوجد لديها أي اعتراض على قرارات وزارة الصحة التي تخص أزمة الحقن لكن نريد قواعد إرشادية في حالة حدوث مشكلات للمريض وغطاء قانوني وحماية في حال وقوع مشكلات بعد اتباع الصيدلي للقواعد المقررة.
ومعظم النقابات الفرعية أرسلت مخاطبات لوزارة الصحة تطالبها بتوفير حماية قانونية للصيدلي في أزمة إعطاء الحقن، لكن لم ترد الوزارة حتى الآن على أي منها.
ما شروط الصيادلة لإعادة إعطاء الحقن في الصيدليات؟
لا يوجد لدينا شروط، فقط ما نريده هو وضع قواعد إرشادية ثم حماية الصيدلي قانونيا حال التزامه بهذه القواعد، لأن الصيدلي هو من يدفع الثمن في النهاية للأسف.
وفي الوقائع السابقة التي شهدت وفاة مرضى بسبب حساسية الحقن كان الصيدلي هو من يدفع مالا لذويه، وأغلب الوقائع انتهت بجلسات عرفية شهدت دفع كل صيدلي مئات الآلاف لأسرة المتوفي.
ما موقف النقابة من واقعة الصيدلانية مها؟
هذا الموضوع شائك بكل تبعاته وهو أمام القضاء ونحن نثق في نزاهة القضاء المصري، لكن سأقف أمام بعض النقاط فيه:
أولا: طفلتا مينا البصل حصلتا على المضاد الحيوي في اليوم السابق ولم يحدث لهما شيء، ثم أخذتا الجرعة الثانية وأصيبتا بمشكلات صحية ونقلتا إلى المستشفى حيث ظلت الطفلتان نحو 6 ساعات ثم توفيتا، رغم أن المتعارف عليهم عموما أن رد الفعل التحسسي للجسم يكون خلال 10 دقائق أو ربع ساعة وتتوفى لكنهما ظلتا 6 ساعات على قيد الحياة.
ثانيا: قرار الإحالة الذي أصدرته النيابة لم يكن بإحالة الصيدلانية لمحكمة الجنح بتهمة القتل الخطأ بل إلى محكمة الجنايات بتهمة القتل العمد، وهذا غريب ويجعلنا نتساءل: لماذا تقتل طفلتين عمدا؟، لأن في حالة القتل العمد يكون في معرفة سابقة وأسباب ودوافع وهكذا.
ثالثا: عند إعطاء حقن عضل من الصعب أن تؤدي إلى وفاة الشخص على عكس حقن الوريد الذي من الممكن أن يحدث فيها الوفاة فعلا.
ماذا عما يتردد بشأن وجود أدوية مغشوشة في السوق المصري؟
لا يوجد ما يسمى بـ"الدواء المغشوس" في السوق المصري، ونسبة الدواء المقلد لدينا لا تذكر وهو أمر موجود في كل دول العالم.
سابقا كان الدواء مسؤولية وزارة الصحة ومع إنشاء هيئة الدواء المصرية انتقلت تبعية الدواء إليها، وهي المنوط بها إعطاء التراخيص وتحليل عينات الدواء قبل التصنيع وبعده وأيضا بعد طرحه في الأسواق.
ثم يأتي دور "اليقظة الدوائية"، فعند رصد أي مخالفة لأي تشغيلة في الدواء، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا ليس غشا في الدواء، يتم سحب التشغيلة من السوق (السليم والمقلد) مع إصدار منشورات احترازية بما تم رصده، وتحليله للتأكد من أنه سليم.
لذا، فالرقابة على سوق الدواء في مصر موجودة وبشكل أفضل من دول أخرى كثيرة، والمشكلة الحقيقية التي يجب حلها هي الأدوية المنتهية الصلاحية.
ما فحوى هذه المشكلة؟
اعتاد الصيادلة على شراء الدواء من الشركات وقبل نحو 6 أشهر من انتهاء صلاحيتها يتم إعادتها للشركة في حال عدم بيعها ليتم إعدامها بمعرفة لجنة من وزارة الصحة، لكن الآن ترفض الشركات استعادة الدواء الذي أوشكت صلاحيته على الانتهاء.
لذا نناشد هيئة الدواء المصرية بالضغط على شركات الدواء وتجبر بسحب هذه الأدوية من السوق، حتى لا تكون بابا خلفيا لإعادة تدوير الأدوية منتهية الصلاحية.
aXA6IDE4LjIxOS4yMDcuMTEg جزيرة ام اند امز