فيسبوك من منظور فلسفي: "يغذي الأنا.. ومقبرة للخصوصية"
سلافوي جيجك فيلسوف وناقد ثقافي سلوفيني يحلل في كتابه "فيسبوك والفلسفة.. بما نفكر" الأثر العميق لموقع فيسبوك في الحياة اليومية.
يرى الفيلسوف السلوفيني الشهير سلافوي جيجيك أن موقع التواصل الاجتماعي الشهير "فيسبوك" يساعد في بناء ذات سلبية، ليس بمعنى عدم تفاعلها مع المحيط، وإنما في عدم التأثر أو الخضوع لشيء آخر، إذ يمكن المشاركة في أي حدث دون أن يكون المرء مضطرا للظهور.
وفي كتابه "فيسبوك والفلسفة.. بما نفكر" يجادل جيجك مع باحثين آخرين في تناول فيسبوك من منظور فلسفي، إذ يرى آخرون أن موقع التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة في العالم أصبح "مقبرة للخصوصية".
كما يكشف كتاب صدر مؤخرا عن المركز القومي للترجمة في القاهرة -بالاشتراك مع دار المحروسة وترجمه ربيع وهبة، ويضم نحو 25 مقالة حررها دي إي وتر كركوور- عن التحولات المرتبطة بالتفاعل الاجتماعي عبر الوسائط الإلكترونية.
سلافوي جيجك فيلسوف وناقد ثقافي سلوفيني، قدم مساهمات في النظرية السياسية، ونظرية التحليل النفسي والسينما النظرية، وهو أحد كبار الباحثين في معهد علم الاجتماع بجامعة ليوبليانا، ويوصف بأنه "أخطر فيلسوف سياسي في الغرب".
وكتب عن العديد من المواضيع كالرأسمالية، الأيديولوجية، الأصولية، العنصرية، التسامح، التعددية الثقافية، حقوق الإنسان، البيئة، العولمة، حرب العراق، الثورة، الطوباوية، الشمولية، ما بعد الحداثة، ثقافة البوب والأوبرا والسينما، واللاهوت السياسي، والدين، يتميز بغزارة الكتابة، وطبع حتى الآن أكثر من 70 كتاباً، إضافة إلى كتاباته شبه الدورية في صحف ومجلات متعددة مثل الجارديان.
وظهر فيسبوك عام 2004 لأول مرة عندما أطلق مارك زوكربيرج، طالب هارفارد البالغ 19 عاما، مع بعض زملائه موقعا إلكترونيا صغيرا باسم facebook، كان مهمته وقتها مساعدة زواره في البحث عن أشخاص في مدرستهم، ومعرفة زملائهم في الفصول الدراسية، والبحث عن أصدقاء الأصدقاء.
انتشرت الخدمة فى الحرم الجامعى في هارفارد واكتسبت شعبية بسرعة، ثم طرحت في وقت لاحق في كليات أخرى، وبحلول نهاية 2004 أصبح هناك أكثر من مليون مستخدم مسجل لـfacebook، وتحول الموقع لشبكة اجتماعية في 2006، وبحلول نهاية 2018 ارتفع عدد المستخدمين إلى 2.32 مليار شخص، ويحتل المرتبة الثانية في قائمة المواقع الأكثر استخداما على الإنترنت.
ووفقا للكتاب، فإن "فيسبوك يغذي الأنا لدينا ويزيد من درجة النرجسية، لأنه يتيح للمستخدم الآليات التي يمكن بها أن يصنع صورة جديدة أو بديلة لنفسه".
ويقول جيجك: "حسابنا على فيسبوك يريحنا من عبء المسؤولية المباشرة، إنه يشبه الضحك المسجل في مسلسلات (ست كوم) القصيرة أو النائحات اللواتي يؤجرن في الجنازات، فهم يضحكون ويبكون بالنيابة عنا، بالتالي فإن الحساب الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي هي نسخة نريدها لأنفسنا".
وحلل جيجك مصطلح "التسالبية" الذي صاغه للتدليل على فكرته في أن "فيسبوك يتولى أمر سلبيتنا، بالتالي فهذا المصطلح هو نقيض التفاعلية، وبسبب تسالبيته يحرم الموقع مستخدمه من مشاعره وردود أفعاله الحقيقية، لأن الاستجابة تكون عبر هذا الوسيط فقط وليس في الواقع".
يشدد الفيلسوف على أن "التسالب" الذي ينطوي على فيسبوك يكون حافزه الرغبة في الهروب من المطالب المفروضة على الشخص كجزء من جماعة مجتمعية، بالتالي فهو يساعد في الهروب من مسؤولية الاعتقاد في قيم معينة والعمل على أساسها، مؤكدا ذلك رغم اتهام فيسبوك بالتأثير في الانتفاضات الجماهيرية التي شهدها العالم في السنوات الـ10 الأخيرة.
ويشير الكتاب إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تساعد على تعزيز الديموقراطية، لأنها أداة فعالة في الاتصال والتشبيك، ويرى جيجك أن فيسبوك من الناحية الأيديولوجية يعمل بالطريقة نفسها التي يعمل بها المرحاض.
بينما يرى آخرون أن فيسبوك أثر في طريقة نضال الحركات الراديكالية، إذ ساعدت المعلوماتية على تقديم فهم أفضل لواقع الصراع الطبقي ولفهم أوسع لما يجري في المجتمعات.
ويؤكد المترجم ربيع وهبة، في مقدمته للكتاب، أن فيسبوك جاء ليضع قدما ثقيلة في حياتنا اليومية، فهو بخلاف ما أفرزه من مشكلات وسلبيات نجح أيضا في المساعدة على خلق فرص مذهلة في الارتباط وتكوين العلاقات وقنص وظائف وتحقيق شهرة وكسر حالات الملل والوحدة، أي أنه حقق الشيء ونقيضه.
فيما يجيب باحثون وفلاسفة، في 25 مقالة كتبت، عن سؤال رئيسي "كيف تسنى لمواقع التواصل الاجتماعي أن تكون وسيلة لها كل هذا التأثير؟ وكيف زحف على القيم وساعد على طعن الخصوصيات في أعز ما نملك من عواطف وأسرار؟".
ويتبنى الباحثون التصورات التي ترى في الوسائط التكنولوجية الحديثة "امتدادات للجسد أو العقل، كونها تؤثر في طريقة إدراك الناس"، ويتصدى الكتاب لقضايا وثيقة الصلة بعالم التواصل الاجتماعي، وأبرزها الألعاب الإلكترونية وطرق بناء الصداقات، داعيا لبذل الجهد في بناء صداقات واقعية وليست افتراضية، لأن إغراءات الموقع تقود إلى "متاهات".
وينظر مشاركون في الكتاب إلى الموقع بوصفة "مقبرة للخصوصية"، ويتحدثون عن مفهوم لها أوسع من استعمال "كلمة سر الدخول" وأنظمة الحماية سعيا لإقرار ما يسمى بـ"الخصوصية السياقية"، التي تقوم على احترام قواعد الاستخدام والإعدادات والخدمات التي يتمتعون بها.
ويرى الكتاب أن الموقع يساعد في تعزيز فكرة "الآنية"، والزمن الحاضر في مواجهة حمى الماضي، إذ إن فيسبوك يساعد على التقليل من أهمية الأشياء التي وقعت في الماضي ويقلل من أهمية الأسرار، فعدما تنتشر صورة تنطوي على أشياء غير محببة تفقد تلك الأشياء مكانتها كأشياء محرمة عندما ينشرها الجميع ليراها الآخرون.
انطلاقا من هذا التصور يبحث الكتاب في الأموال التي يحققها هذا الوسيط، فبينما يتمادى المستخدمون في التواصل الاجتماعي، ثمة طرف ثالث تكون مهمته الرئيسية حصد الكثير من المال جراء تنمية هذا التواصل.
aXA6IDE4LjExOS4xMjUuMjQwIA== جزيرة ام اند امز