عادل واسيلي.. مصور يكتشف جمال القاهرة الصامت
المصور البالغ من العمر 58 عاما يرى في حصيلة الصور التي ينتجها وثائق تاريخية تعين المؤرخين مستقبلا وهم يكتبون عن جائحة كورونا
يخرج المصور الفوتوغرافي المصري عادل واسيلي يومياً من بيته في ضاحية مصر الجديدة شرق القاهرة، ليطوف مناطق مختلفة في قلب العاصمة المصرية، لتصوير الشوارع وهي شبه خالية من المارة.
ويرى المصور البالغ من العمر 58 عاماً، في حصيلة الصور التي ينتجها يومياً، وثائق تاريخية تعين المؤرخين مستقبلاً وهم يكتبون عن جائحة كورونا الجديد، وما نتج عنها.
ويلفت "واسيلي" النظر إلى أن صوره تشبه ما أنتجه مؤرخون مثل تقي الدين المقريزي وعبدالرحمن الجبرتي سابقاً، حين أرخا للمدينة وهي تعيش تحولاتها الكبرى.
وقال "واسيلي": "كتب المقريزي عن مصر في نهاية القرن الـ8، حيث خلت شوارعها بعد المجاعة التي عانتها بعد تفشي الطاعون والجبرتي كتب عن الشوارع التي خلت بعد وصول الفرنسيين لمصر في عام 1798، حيث أصاب الناس الخوف".
وتابع "واسيلي"، وهو مهندس مدني يحترف التصوير الفوتوغرافي وأقام عدة معارض: "أصور شوارع وميادين القاهرة، وهي تعيد اكتشاف نفسها مع الصمت، فالمدينة التي يتجاوز عمرها الألف عام، ويتجاوز عدد سكانها الـ10 ملايين نسمة، تخلو شوارعها من الناس أغلب ساعات النهار، ما يعطي فرصة نادرة لتأملها وإعادة اكتشافها".
وبعد عدة أيام من تجربة التجوال، يرى "واسيلي" أن الزحام "هبة" تعطي لبعض المدن طابعها، وتمنحها قيمة ينزعها الصمت، وتنتمي القاهرة إلى هذه النوعية من المدن التي تكتسب جمالها من سياق متكامل من الصعب إعادة ترتيبه ليبدو "منزوع الدسم".
وأوضح قائلا: "قبل كورونا كنا نحلم بساعات قليلة ننفرد فيها بشوارع وساحات تاريخية، لنصور جمالها غير المرئي، وحين أتيحت لنا الفرصة لاكتشاف المدينة وهي خالية، فوجدنا أن جمالها الحقيقي مرتبط بوجود الناس، وهي مفارقة لا تخلو من إثارة ومن أسى".
ويسعى "واسيلي" فيما ينتجه من صور إلى التفاعل مع ما يسميه "الجمال غير المرئي"، والنظر إلى الفضاء المحجوب الذي كان يغيبه الزحام، وقال: "انتبهت للمرة الأولى إلى وجود لحظات شعرية في القاهرة، تنتمي إلى الجمال الهش الذي كان من الصعب إدراكه في السابق، وفي الوقت نفسه شعرت بحجم الجرائم التي تم ارتكابها بحق معمار المدينة التي تم تشويهها بشكل متعمد".
وأشار إلى أن هناك العشرات من المصورين الفوتوغرافيين الذين ينتشرون في القاهرة لتأمل هذه اللحظات، وأصبح لدى كل منهم حصيلة من الصور تكفي لتنظيم عشرات المعارض في المستقبل، ولأن لكل مصور عين تختلف عن الآخر، ستكون الحصيلة مختلفة ومتباينة، وهذا مصدر "ثراء" فني.
ومن بين ما أنتجه "واسيلي"، يعتز بشكل خاص بصور التقطها لحي مصر الجديدة وعمارته المميزة التي تقارب العمارة الأوروبية، وكذلك صور ميدان العتبة الخضراء الشهير خالياً من الناس.
وتعد عمارة تيرينج إحدى المعالم المهمة في العتبة، وهى عمارة كانت توجد أعلاها كرة تحملها 4 تماثيل، تمثل تحفة معمارية، وتم بناؤها على يد المهندس المعماري النمساوي أوسكار هورويتز الذي جاء إلى القاهرة في الفترة من 1913-1915، وبني خلالها هذا المبنى التجاري الفريد.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك صور لميدان مسجد الإمام الحسين وهو خالٍ من الناس، وتوقف "واسيلي" أمام صور لحواري خان الخليلي، ومنطقة "الصاغة" تحت سلطة القطط التي تنفرد بالتجوال في الشوارع.
وقال "واسيلي": "المشهد روائي غرائبي، حيث بدت القطط كأنها شخصيات للفتوات في رواية الحرافيش، تشعر بالقوة لكنها مذعورة من الداخل كأنها تتساءل: أين ذهب الناس؟.. ويزيد من الفزع غياب الإضاءة عن المكان، حيث تعلن الظلمة عن قوة نفوذها".