رحلة الحج وطقوسها عند المصريين القدماء منذ 5000 عام
مدينة أبيدوس بمحافظة سوهاج قبلة المصريين القدماء التي كانوا يحجون إليها قبل آلاف السنين، ورسموا طقوسها على الجدران
يمثل مشهد رحلة الحج إلى مدينة أبيدوس بمحافظة سوهاج بصعيد مصر، أهم المشاهد التي يحرص المصري القديم على تصويرها في مقبرته منذ فجر التاريخ، مثلما كانت نقوش المقابر القديمة تحتوي على مشاهد الحياة اليومية من زراعة وحرف يدوية وفنون وموسيقى ورقص.
مكانة أبيدوس المقدسة
نالت مدينة أبيدوس مكانة مقدسة خاصة في قلوب المصريين قبل بداية الأسرات وتكوين الدولة المصرية الموحدة في عام 3200 ق.م لوجود معبد "خنتي امنتي" إله الغرب أو عالم الموتى، ثم زادت مكانتها في عصر الدولة القديمة، حيث كان يحج إليها المصريون باعتبارها المركز الرئيسي لعبادة الإله "أوزير" حارس "الحياة الأبدية"، ويعتقد أن روح أوزير تعيش في أرض قرب أبيدوس، والذي اندمج مع المعبود "خنتي امنتي" وأصبح يسمى" أوزير خنتي امنتي".
كان المصري القديم يرى أن الدفن في أبيدوس أو ينقش اسم المتوفى قرب أوزير أهم أمنياته حتى يضمن مكانة متميزة في العالم الآخر، حيث اعتقد أن أبيدوس هي بيت "الكا" أي الجسد وبيت "البا" بمعنى الروح الخاص بأوزير، وقد حرص المصري القديم على زيارة الـ"كا- با"، وهي تقابل "الكعبة" الخاصة بأوزير أثناء حياته في رحلات يستخدم فيها المراكب كما تدلنا النقوش والنصوص المسجلة في معظم مقابر الدولة القديمة بسقارة بالجيزة، حيث يعتقد أن روح أوزير تعيش في مكان بالقرب من أبيدوس.
كما ظلت مدينة أبيدوس محتفظة بمكانتها المقدسة حتى عصر الدولة الوسطى، حيث تشير لوحة "ايخرنفرت" المحفوظة في متحف برلين إلى حرص الملك سنوسرت الثالث وإمنمحات الثاني على المشاركة في الاحتفالات السنوية وأعياد أوزير في أبيدوس، وظلت مكانة أبيدوس المميزة حتى عصر الدولة الحديثة، حيث وجد في مقبرة "سي- نفر" حاكم طيبة نقوش توثق رحلة حج "سي- نفر" إلى أبيدوس، بجانب الحج لأبيدوس، كانت هناك زيارات لبوتو وسايس وهليوبوليس وكلها مدن لها قدسيتها، وكانت لها مقاصير تشارك في عيد أوزير.
طقوس رحلة الحج والعودة
كان للحج في مصر القديمة ميعاد ثابت ومحدد وهو يوم الثامن من الشهر الأول من فصل الفيضان حتى يوم السادس والعشرين من نفس الشهر، حيث كان يقوم أهالي المتوفى وأقاربه بوضع الميت في ختام الأربعين بعد تحنيطه في مركب ليعبر النيل، أما الأقارب والأهل والأصحاب كانوا يصحبونه في مركب آخر، وعندما يصلون إلى البر الغربي يرتلون "السلام عليك أيها الإله العظيم، يا سيد تاور العظيم في أبيدوس، لقد أتيت إليك فأنت صاحب العطف، استمع لندائي ولب ما أقوله، فإني أنا واحد من عابديك"، ثم يقوم الكاهن بتقديم القرابين وحرق البخور أمام جثمان الميت، ثم يقوم بطقوس فتح الفم وصب المياه أمامه وسط نحيب وولولة الزوجة والأهالي.
وأهم ما يميز طقوس الحج لمدينة أبيدوس هو لبس الملابس البيضاء أثناء حجهم، وكانت الملابس عبارة عن آزرار بيضاء قصيرة تلبس حتى الكتف، وكانت للملابس البيضاء في رحلة الحج دلالات ورموز، حيث إن اللون الأبيض يدل على التطهر والورع والنقاء، حيث إن كلمة "حج" في اللغة المصرية القديمة تعني أبيض أو ناصع أو طاهر.
وكان من طقوس رحلة الحج عند المصريين الدماء، ذبح الأضحية وكانت عبارة عن "ثور أو بقرة"، بالإضافة إلى تقديم القرابين وحرق البخور، وهي من المشاهد المهمة في رحلة الحج في مصر القديمة، حيث تدلنا العديد من المشاهد المسجلة على جدران مقابر بني حسن بمحافظة المنيا، حيث يوجد أكثر من 2000 لوحة لتصوير موائد القرابين التي كانت تقدم كنذور تقدم على امتداد طريق موكب أوزير في "أبيدوس"، وغيرها من الأماكن المقدسة التي يحج إليها المصري القديم.