على طريقة الأفلام.. كيف سعت أمريكا لتجنيد طيار مادورو؟
قصة شبيهة بأفلام الجاسوسية في حقبة الحرب الباردة، حيث كشف عميل فيدرالي أمريكي عن عملية سرية استهدفت تجنيد طيار الرئيس الفنزويلي.
وبحسب وكالة "أسوشيتد برس"، فإنه في عملية جريئة، سعى عميل فيدرالي أمريكي مخضرم سرا إلى تجنيد الطيار الشخصي لنيكولاس مادورو للانضمام إلى مؤامرة لاعتقال الزعيم الفنزويلي وتسليمه لأمريكا لمواجهة تهم الاتجار بالمخدرات.
وكان العرض واضحا وهو أن يقوم الطيار بتحويل مسار طائرة مادورو إلى مكان يمكن للسلطات الأمريكية فيه القبض على الرئيس الفنزويلي في المقابل، سيصبح الطيار ثريًا للغاية وذلك وفقا لما ذكرته وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية للأنباء التي كشفت تفاصيل العملية.
وقالت الوكالة إن المحادثة كانت متوترة، وغادر الطيار دون إبداء أي التزام، لكنه زوّد العميل إدوين لوبيز برقم هاتفه المحمول في إشارة إلى أنه قد يكون مهتمًا بمساعدة الحكومة الأمريكية.
وعلى مدار الستة عشر شهرًا التالية، وحتى بعد تقاعده من وظيفته الحكومية في يوليو/تموز الماضي، واصل لوبيز حديثه مع الطيار عبر تطبيق مراسلة مشفر وهو ما يكشف إصرار واشنطن لسنوات للإطاحة بمادورو.
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقفًا أكثر تشددًا، فنشر آلاف الجنود وطائرات الهليكوبتر الهجومية والسفن الحربية في منطقة البحر الكاريبي لمهاجمة قوارب الصيد المشتبه في تهريبها الكوكايين من فنزويلا.
ثم سمح لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) بتنفيذ عمليات سرية داخل فنزويلا.
كما ضاعفت الحكومة الأمريكية المكافأة المخصصة للقبض على مادورو بتهم تهريب المخدرات الفيدرالية، وهي خطوة سعى لوبيز إلى استغلالها في رسالة نصية إلى الطيار في 7 أغسطس/آب الماضي.
تفاصيل الخطة
استخلصت "أسوشيتد برس" تفاصيل الخطة التي فشلت في النهاية من مقابلات مع 3 مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، بالإضافة إلى أحد معارضي مادورو طلبوا جميعا عدم الكشف عن هويتهم.
وبدأت الخطة في أبريل/نيسان 2024، عندما ظهر مخبر في السفارة الأمريكية في جمهورية الدومينيكان، وزعم أن لديه معلومات عن طائرات مادورو وأن اثنتين منها في الدومينيكان تخضعان لإصلاحات باهظة.
وأثار الأمر فضول لوبيز الذي كان حينها ملحقًا بالسفارة ووكيلًا لتحقيقات الأمن الداخلي التابعة لوزارة الأمن الداخلي، حيث كان يقود التحقيقات في شبكات إجرامية دولية في بحر الكاريبي.
ولوبيز كان يعلم أن أي صيانة ستكون انتهاكًا جنائيًا للقانون الأمريكي وللعقوبات الأمريكية، لأنها ستتضمن شراء قطع غيار أمريكية كما أن الطائرتين معرضتان للمصادرة بسبب العقوبات.
وكان تحديد موقع الطائرة سهلاً، حيث كانت في مطار لا إيزابيلا التنفيذي في سانتو دومينغو، وبعدها علم المحققون أن مادورو أرسل خمسة طيارين لاستعادة الطائرتين اللتين تبلغ قيمتهما ملايين الدولارات.
وخطرت الفكرة في ذهن لوبيز: ماذا لو استطاع إقناع الطيار بنقل مادورو إلى مكان يُمكن للولايات المتحدة اعتقاله فيه؟
أجرى لوبيز وزملاؤه محادثات مع الطيارين وكان آخرهم الجنرال بيتنر فيليجاس الطيار الدائم لمادورو والذي كان عضوًا في حرس الشرف الرئاسي وعقيدًا في القوات الجوية الفنزويلية، ووصفه مسؤول فنزويلي سابق بأنه ودود ومتحفظ ومحل ثقة مادورو الذي يسافر بانتظام معه.
وتحدث لوبيز فترة مع فيليجاس عن المشاهير الذين كان الطيار يتنقل بينهم، وخدمته العسكرية، وأنواع الطائرات المرخص له بقيادتها.
وبعد 15 دقيقة، بدأ الطيار بالتوتر وسأله لوبيز بصرامة هل سبق له الطيران مع مادورو أو سلفه هوغو تشافيز؟
حاول فيليجاس الهرب قبل أن يقر بأنه كان طيارا للزعيمين وعرض صورا لهما معه وقدم تفاصيل عن المنشآت العسكرية الفنزويلية التي زارها ودون علمه تم تسجيل المحادثة.
ومع انتهاء المحادثة، قدم لوبيز عرضه: مقابل نقل مادورو سرًا إلى أمريكا، سيصبح الطيار ثريًا جدًا ومحبوبًا من قبل ملايين المواطنين.
ولم يُفصح فيليجاس عن نيته لكنه أعطى لوبيز رقم هاتفه المحمول.
بلا نتيجة
حتى بعد تقاعده، واصل لوبيز مسيرته وركز على إقناع فيليجاس وتبادل الرسائل معه عبر "واتساب" و"تليغرام" حوالي 12 مرة دون نتيجة.
وقال عضو منفي من معارضة مادورو، "لقد شعر لوبيز أن لديه مهمة غير مكتملة ما جعله أكثر قيمة بالنسبة لنا من العديد من أكبر المعارضين في الداخل".
وبعد رسالة أغسطس/آب الماضي حول مكافأة الخمسين مليون دولار، أرسل لوبيز رسالة أخرى لفيليجاس قال فيها "لا يزال هناك وقت كاف ليكون بطلا لفنزويلا وليكون في الجانب الصحيح من التاريخ" لكنه لم يتلقَ ردًا.
وفي 18 سبتمبر/أيلول المنقضي، كان لوبيز يتابع أخبار تعزيزات ترامب في الكاريبي عندما رأى منشورًا على موقع "إكس" يظهر لقطة شاشة لخريطة تتبع الرحلات الجوية تظهر طائرة إيرباص رئاسية تحلق بعد إقلاعها من كاراكاس، فكتب إلى فيليجاس "إلى أين أنت ذاهب؟" مستخدمًا رقمًا جديدًا.
ورد الطيار "من هذا؟"، وكان إما أنه لم يتعرف على الرقم أو تظاهر بالجهل، وعندما ألح لوبيز مشيرا إلى ما ناقشاه في الدومينيكان، ازداد فيليجاس عدائية، ووصف لوبيز بـ"الجبان" وكتب "نحن الفنزويليون من طبقة مختلفة.. آخر ما نكون عليه هو الخونة".
عندها أرسل له لوبيز صورة لهما خلال محادثتهما فرد فيليجاس "هل أنت مجنون؟" ليجيب لوبيز "قليلا".
وبعد ساعتين، حاول للمرة الأخيرة، فذكر أسماء أطفال الطيار الثلاثة وتحدث عن مستقبل أفضل ينتظرهم في الولايات المتحدة وكتب: "فرصة اتخاذ القرار تضيق.. قريبًا سيكون الأوان قد فات"، وبعد فترة وجيزة حجب فيليجاس رقمه.
خطة بديلة
بإدراكهم أن فيليجاس لن ينضم إلى الخطة، قرر لوبيز وآخرون في المعارضة محاولة زعزعة استقرار مادورو ونشر مارشال بيلينغسلي الحليف المقرب للمعارضة تهنئة على إكس بمناسبة عيد ميلاد فيليغاس الـ48 أرفقها بصور له إحداها له مع لوبيز بعد اقتطاع صورته منها.
وتم نشر المنشور قبل دقيقة واحدة من إقلاع طائرة مادورو من مطار كاراكاس وبعد 20 دقيقة، عادت الطائرة فجأةً إلى المطار.
وأثارت التهنئة التي شاهدها ما يقرب من 3 ملايين شخص، موجةً من الصدمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي الفنزويلية، وتكهنت المعارضة أن الطيار قد أُمر بالعودة للاستجواب وتساءل آخرون عما إذا كان سيُسجن.
ولأيام اختفى فيليجاس ثم ظهر في 24 سبتمبر/ أيلول الماضي مرتديًا بدلة طيران تابعة لسلاح الجو، وذلك في برنامج تلفزيوني واسع الانتشار قدمه وزير الداخلية ديوسدادو كابيلو الذي سخر من أي تلميح إلى إمكانية شراء الجيش الفنزويلي وأشاد بولاء فيليجاس.
كما وصفه بـ"الوطني المخلص والقوي"، في حين وقف الطيار صامتًا، رافعًا قبضته في إشارة إلى ولائه.