احتفالية "العويس" ترصد الأثر الإيطالي و"الناقد المضمر" في شعر درويش
الشاعر الفلسطيني محمود درويش في كل مراحله كان منشغلا بالإيقاع ومسكونا به رغبة منه في الاحتفاظ بجمهوره وتطوير وعيه بالقصيدة.
أكد باحثون عرب شاركوا في ملتقى محمود درويش، الذي أقامته مؤسسة العويس، مساء الأربعاء، بمقرها في دبي، تميز تجربة الشاعر الفلسطيني الراحل على الصعيدين العالمي والعربي، لافتين إلى استثنائيته في قدرته على إحداث منعطفات كبرى في علاقته بالشعر والجمهور.
وقال سليم الجاسم، عضو مجلس أمناء مؤسسة العويس، إن انعقادها يأتي تأكيدا على دور المؤسسة في تعزيز قيمة الاحتفاء بالرموز الثقافية لمحاصرة قوى الظلام، واعتبر أن مجرد الحديث عن محمود درويش هو مناسبة للاحتفال بجيل من الرواد المساهمين في خروج شعرنا من عباءة الوطن إلى عباءة الإنسانية.
وفي أولى جلسات الملتقى، تناول الشاعر والناقد اللبناني شربل داغر تجربة درويش انطلاقا من مفهوم العتبات، وهو مفهوم نقدي أشاعه الناقد الفرنسي جيرار جينت، وأوضح أن المقصود بالعتبات يتعلق بالنصوص، التي رافقت أشعار درويش، سواء عبر إهداءات مجموعاته الشعرية أو حواراته حولها، كما تشمل مقالاته في الشعر والسياسية، وهي التي سماها النصوص المحيطة.
وأكد داغر أن درويش استطاع عبر تجربته إحداث منعطفات رئيسية أو تحولات، تصعب فيها المقارنة بين بداياته وما وصل إليه من ابتكارات وقفزات شعرية هائلة.
وقال إن درويش بقي شاعرا غنائيا، بمعنى تمسكه بالإيقاع والموسيقى؛ ما جعله يتعامل مع قصيدة النثر بكثير من الحذر، وأضاف: "لم يكن محمود درويش محبا للتنظير الشعري، ولا مهووسا بمتابعة النظريات النقدية بقدر ما كان واسع الاطلاع متابعا لما ينشر من شعر في العالم؛ لأنه امتلك ما يسمى بـ"التطلع الشعري"؛ لذلك انتبه لصيغ التغيير في الشعرية العربية، وكان أقرب ما يكون إلى عدّاء في ماراثون.
من جهتها، عرضت الباحثة الجزائرية حورية الحمليشي، في الجلسة ذاتها التي أدارها الشاعر الإماراتي إبراهيم الهاشمي، تحولات اللغة الشعرية عند درويش وقدرته على التعامل مع الإيقاع في شعره، وركزت على كيفية تحول نصوصه إلى صور مرئية عبر تعامل التشكيليين العرب معها.
وقالت إن التشكيليين استثمروا في قصائده المعاني المجردة وسعيه للتعامل مع الفراغات ليحدث تجاور بين الفن الشعري والفنون البصرية.
في الجلسة الثانية، التي أدارتها الدكتورة سوسن الأبطح، الأستاذة بالجامعة اللبنانية، تحدث الناقد السعودي أحمد الطامي عن التصورات النقدية، التي صاغها درويش حول تجربته الفنية انطلاقا من حواراته الصحفية ومقالاته فيما يسمى "الناقد المضمر"، أي الخفي.
وقال الطامي إن درويش تعمّد إخفاء نظرياته قاصدا كي لا يبقى أسيرا لتصور محدد، لكنه اعتمد في مشواره على 3 مسارات؛ الأول العلاقة مع التراث واستيعابه ثم تجاوزه، والثاني تبني مفهوم خاص للحداثة يدرك أن المجتمعات العربية لم تنجز الحداثة الاجتماعية أو السياسية، وبالتالي تحملت الحداثة الشعرية وحدها أعباء هذا الفشل في إنجاز مهام التحديث، أما المسار الأخير فقد ارتبط بالعلاقة مع الجمهور وهي علاقة الصوت بالصدى.
ولفت الطامي إلى أن درويش في كل مراحله كان منشغلا بالإيقاع ومسكونا به رغبة منه في الاحتفاظ بجمهوره وتطوير وعيه بالقصيدة.
وعالج الناقد الأردني محمود جرن، في ختام الجلسة، حضور نصوص محمود درويش في إيطاليا عبر الترجمة ومدى تأثر درويش ببعض الشعراء الإيطاليين في قصيدته "جدارية"، التي ترجمت إلى الإيطالية ويمكن العثور فيها على تصورات شعرية تتقاطع مع ما طرحه بعض الشعراء الإيطاليين، خاصة الشاعر أونجاريتي والشاعر أوجينو مونتالي والشاعر أمبرتو سابو.
وتتواصل، الخميس، جلسات اليوم الثاني في ملتقى محمود درويش، الذي تنظمه مؤسسة العويس تحت عنوان "أثر الفراشة لا يزول"، عبر جلستين يتحدث فيهما عبده وازن وسيد محمود ومحمد شاهين ومريم الهاشمي وبروين حبيب وصالحة غباش، كما يُعرض فيلم وثائقي عن الشاعر.
وعلى هامش الندوة، وقّع الدكتور شربل داغر كتابه "محمود درويش يتذكر في أوراقي"، كما وقع الدكتور محمد شاهين كتابه "مختارات من شعر محمود درويش"، الصادر عن مؤسسة العويس ضمن سلسلة (الفائزون).
aXA6IDMuMTM1LjE4NC4yNyA= جزيرة ام اند امز