انتخابات بولندا تدق جرس إنذار لتيار الوسط في أوروبا

أصبح تغيير الحكومات هو المطلب الرئيسي للناخبين في جميع أنحاء أوروبا، وسط صعود كبير للتيارات الشعبوية على حساب الوسط.
وحتى انتخابات بولندا الأخيرة، كان هناك ديناميكية واضحة في أوروبا حول الانتخابات، تتلخص في ارتفاع شعبية أحزاب أقصى اليمين في استطلاعات الرأي، لكن النتائج تمنح الفوز لأحزاب الوسط، وهو ما حدث مؤخرا في رومانيا وألمانيا.
لكن في في بولندا، كان الوضع مختلفا، حيث فاز المرشح المدعوم من حزب القانون والعدالة الذي يمثل أقصى اليمين، كارول ناوروتسكي، بفارق ضئيل عن رافال ترزاسكوفسكي المرشح المفضل لرئيس الوزراء دونالد توسك.
على الصعيد المحلي، ستكون لهذه النتائج تداعيات كبيرة على أجندة توسك للإصلاح القضائي، وإعادة البلاد إلى مسارها الديمقراطي أما على الصعيد الدولي، فهناك تداعيات كبيرة أيضا، حيث يعتقد الرئيس الجديد أن العلاقات الجيدة مع بروكسل وبرلين وباريس تتعارض مع المصالح البولندية، وذلك وفقا لما ذكرته "فورين بوليسي" الأمريكية.
وأشارت المجلة إلى معارضة ناوروتسكي لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو الاتحاد الأوروبي طالما استمرت حرب أوكرانيا.
وفي ظل البيئة الأمنية العالمية وصراعات القارة، فإن المخاطر كبيرة، حيث يُصارع الاتحاد الأوروبي الركود الاقتصادي وضعف القدرة التنافسية، بالإضافة إلى كيفية الاستجابة بشكل مناسب لـ"الحرب التجارية التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب".
كما أن التكتل منقسم حول كيفية التعامل مع الصين خلال ولاية ترامب الثانية.
وتعاني دول الاتحاد من مستويات دين عام غير مستدامة وهو أمر له تداعيات على المزيد من الاقتراض لتمويل المشتريات الدفاعية المشتركة التي تتزايد الحاجة إليها، إضافة إلى سداد قروض التعافي الاقتصادي التي قدمتها المفوضية الأوروبية خلال جائحة كوفيد-19.
وتجذب استجابة الشعبوية المُبسّطة للتحديات المُعقّدة الناخبين الذين واجهوا أزمةً تلو الأخرى في ظل إغلاقات كوفيد-19، وارتفاع أسعار الطاقة، ومستويات التضخم المرتفعة، لكنها نادرًا ما تقدم حلا للمشكلات، وفق المجلة.
ومع ذلك، يفشل سياسيو الوسط في تقديم بديل قابل للتطبيق وهو ما يعد أمرا خطيرا في ظلّ المناخ الحالي.
ففي ألمانيا، على سبيل المثال، لم تكن اللحظة الخطرة هي الانتخابات الفيدرالية التي أجريت في فبراير/شباط الماضي، إنما الخطر الحقيقي هو ما سيحدث في الانتخابات الفيدرالية المُقبلة المُقرر إجراؤها بحلول مارس/آذار 2029 وأيضا في جميع القرارات السياسية التي سيتم اتخاذها من الآن وحتى ذلك الوقت.
وإذا كانت تيارات الوسط جادة في إبعاد أقصى اليمين عن السلطة، فعليهم أن يحسنوا كثيرا من طرق معالجة مخاوف الناخبين.
ورغم أن القضايا الرئيسية ستختلف من بلد لآخر، إلا أن هناك موضوعات مشتركة في جميع أنحاء أوروبا مثل تكاليف المعيشة، والاقتصاد، والوضع الأمني.
وبدلًا من الدفاع عن سياسات طموحة في هذه الملفات، ينتقي السياسيون الوسطيون مواقف أقصى اليمين بعناية في محاولة لجذب الناخبين، وهو سلوك أظهرت انتخابات بولندا والمملكة المتحدة أنه يخلق زخما أكبر لأقصى اليمين بينما تفقد أحزاب الوسط قواعدها التقليدية.
وبهده الطريقة، فاز حزب "إصلاح المملكة المتحدة" في الانتخابات المحلية الأخيرة في بريطانيا، وحقق حزب البديل من أجل ألمانيا تقدمًا كبيرًا في الانتخابات الفيدرالية.