انفراجة أم نفق مظلم؟.. توقعات الخبراء للبنان في 2020
خبراء يتحدثون لـ"العين الاخبارية" عن الوضع في لبنان ويستبعدون حدوث "انفراجة سياسية" في العام الجديد في ظل معطيات داخلية وخارجية معقدة
انفراجة سياسية أم مزيد من التعقد والتأزم وذهاب البلاد للمجهول؟ انتخابات نيابية مبكرة أم لا؟ تصاعد الانتفاضة الشعبية أم خفوت صوتها؟ فك الارتباط بسلاح مليشيا حزب الله أم مزيد من هيمنته على مفاصل لبنان؟.. أسئلة عديدة يجيب عنها خبراء ومحللون استراتيجيون في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية" حول لبنان عام 2020.
- أمريكا تفرض عقوبات على 3 لبنانيين و17 كيانا لتمويلهم حزب الله
- عصيان مدني في لبنان احتجاجا على تكليف الخطيب بتشكيل الحكومة
خفض الخبراء من سقف توقعاتهم للبنان في العام الجديد، مستبعدين حدوث "انفراجة سياسية" وتحسن الأحوال المعيشية للبنانيين، في ظل معطيات داخلية ومعادلات إقليمية ودولية لها تأثيرها على الداخل.
فيما وجد هؤلاء الخبراء "بصيص أمل" في العام الجديد، حال تمسك الحراك الشعبي "العابر للطائفية السياسية"، بمطالب التغيير و"ضرورة التحول الجذري في إدارة حكم البلاد"، فضلا عن إصرار "أصدقاء لبنان" في المجتمع الدولي ودول عربية كبيرة في مقدمتها الإمارات والسعودية على مساندة البلاد والحفاظ على استقراره.
ورغم مرور نحو 60 يوما على استقالة الحريري من الحكومة لا تزال الأزمة اللبنانية "محلك سر" حتى اللحظة، بسبب تعثر التوصل إلى اتفاق بين الفرقاء السياسيين على شكل وطبيعة الحكومة المزمع تشكيلها، في وقت تأخذ فيه الاحتجاجات زخما جديدا كل يوم مع إطالة أمد حل الأزمة.
ودخلت الاحتجاجات اللبنانية شهرها الثاني، وسط إصرار على تحقيق المطالب المتمثلة في تشكيل حكومة خبراء، وتغيير كل الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد والكذب، وسط تجاهل من الطبقة السياسية الحاكمة.
بنية تكوينية مولدة للأزمات
وفي قراءته لسطور لبنان في العام الجديد، يقول ريشار داغر، الخبير الاستراتيجي والعميد المتقاعد، إن لبنان في الأحوال العادية يصعب التكهن بمستقبل الأحداث به، بسبب البنية التكوينية للأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، فكيف اليوم وهناك أزمة كبرى تجتاح البلاد، ومحاطة بالنزاعات والتعقيدات والاتجاهات المتضاربة.
وأوضح في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "اليوم هناك صراع عنيف بين مسارين واتجاهين يصعب معهما التوقع واستشراف ما يمكن حدوثه، الأول: ثورة شعبية لا تقبل بأقل من تحول جذري في إدارة الحكم بالبلاد، والذهاب إلى الحوكمة الرشيدة في مقابل طبقة سياسية تتمسك بالسلطة، وتحاول الحفاظ على مكتسبات أمنت لها الثروات خلال العقود الماضية".
وضع سوداوي ومظلم
وأردف: "ما يزيد الأمور صعوبة أن الثورة الشعبية التي تطالب بإسقاط الطائفية السياسية، تواجه مؤخرا بثورة مضادة من قبل بلطجية أحزاب السلطة وتحديدا مكوني حزب الله وحركة أمل، وهو أمر يحمل مخاوف من توسع هذه الصدامات، وقد تنفلت الأمور لما هو أسوأ وما لا يحمد عقباه".
إزاء ذلك، يؤكد داغر أن الصورة العامة توحي بأن الوضع سوداوي ومظلم ولا أفق له إلا إذا قررت الطبقة السياسية التي تتحكم في مفاصل الدولة الاستجابة لمطالب الناس.
وفي "عناصر المشهد السوداوي" يشرح داغر أن هناك أزمة مالية كبيرة، ومع استمرار الأزمة السياسية سيكون هناك انهيار مالي شامل يصيب الطبقات الشعبية، بالتوازي مع طبقة سياسية تتعنت وترفض الانصياع لمطالب الشارع وتراوغ للحفاظ على مكتسباتها، عبر عدم الرغبة في تكليف حكومة نظيفة قادرة على إدارة المرحلة، وإخراج لبنان من المأزق.
الإمارات والسعودية.. تحركات تدعو للتفاؤل
ونبه داغر إلى أن هذا المشهد المأساوي يخترقه بصيص من أمل، يتجلى في دعم ومساعدة أصدقاء لبنان في المجتمع الدولي الذين اجتمعوا في باريس من أجل دعم استقرار البلاد، وهي المجموعة التي يمكن التعويل عليها لمنع الانهيار الشامل.
ويقول داغر: "إن ما يدعو للتفاؤل أيضا التوجه القوي لدى دول عربية كبرى على رأسها السعودية والإمارات ووعيها التام بضرورة الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني".
وحول شكل وطبيعة الحكومة.. خبراء أم تكنوسياسية؟ يقول ريشار داغر: "هذه المسألة جزء من الأزمة اللبنانية، حيث إنه حتى اللحظة لا أحد يستطيع التكهن بشكل الحكومة ورئيسها، خاصة مع إعلان جبران باسيل وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال أن حزبه (التيار الوطني الحر) لن يشارك في الحكومة الجديدة، ما يعقد الأزمة".
ورأى داغر أن حكومة خبراء برئاسة سعد الحريري سوف تؤشر على فتح مسارات الحل، وغير ذلك فسوف يدور اللبنانيون في حلقة مفرغة.
2020.. صعب جدا على اللبنانيين
لكن ثمة من يعول على ولادة حكومة قوية تضخ النبض والحياة لمسارات الحل، ويقول المحل السياسي والخبير خالد ممتاز، لـ"العين الإخبارية": "لا أرى ذلك، والعام المقبل سيكون صعبا جدا على لبنان بغض النظر عن استمرار التحركات في الشارع".
وأوضح "ما أراه هو استمرار لمعاناة اللبنانيين وانهيار اقتصادي كامل وإفلاس لبعض البنوك، وهروب الكثير من الشخصيات إلى الخارج، خشية الملاحقة القانونية".
وزاد في نظرته التي وصفها بـ"الواقعية" قائلا: "لبنان إلى المجهول في العام الجديد"، مرجعا ذلك إلى أن "لبنان في عين العاصفة بسبب ارتباطه بشكل مباشر بالخارج والصراع القائم بين الولايات المتحدة وإيران، إضافة إلى تحكم مليشيات مسلحة بمفاصله، لذا لا أرى أملا في عام ٢٠٢٠ نحن في مخاض".
وخلافا لمطالب الحراك الشعبي بتشكيل حكومة خبراء، توقع المحلل السياسي تشكيل حكومة "تكنوسياسية" في البلاد، لكنه ( خالد ممتاز) أكد أن تلك الحكومة ستسقط سريعا بفعل الفشل والكوارث الاقتصادية والشارع، وعدم تلقي أي دعم خارجي، وهو ما سيؤدي لتشكيل حكومة عسكرية منتصف العام المقبل، وفقا لترجيحه.
كما توقع مغادرة الرئيس سعد الحريري الحياة السياسية وعدم إجراء انتخابات نيابية مبكرة في العام الجديد.
استمرار الضائقة المعيشية
وبدوره، قال الدكتور محمد سعيد الرز، المحلل والخبير السياسي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن لبنان سيكون مثقلا بالملفات والاستحقاقات في عام 2020، بعد أن ودع عاما حافلا بالوثائق والحقائق التي تكشف مقدارا ضخما من الإفساد يكاد لا يصدق.
ودلل "الرز" بالتقرير السنوي الذي أصدرته منظمة الشفافية العالمية، ويظهر أن 48% من الناخبين اللبنانيين اقترعوا بسبب الرشوة وأن 20% آخرين انتخبوا تحت وطأة التهديد و51% من رجال الأعمال استخدموا أساليب غش وتحايل ليحظوا بالتزامات في قطاعات خدمية أبرزها الكهرباء والطاقة والغذاء.
ومع استمرار "الضائقة الحياتية والمعيشية عند اللبنانيين" التي ربما تخف تدريجيا في الأشهر الأربعة الأخيرة من العام الجديد، توقع "الرز" استمرار الانتفاضة الشعبية التي طالبت بإسقاط الطبقة السياسية الحاكمة منذ 30 عاما، في 2020 لتحقيق أمرين: الأول تشكيل حكومة تستجيب للمطالب الشعبية في استرداد المال المنهوب، وإجراء إصلاح اقتصادي حقيقي يحول النظام الاقتصادي من خدمي إلى منتج واستثماري، والثاني: إجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق نص الدستور على أساس الدائرة الواحدة والنسبية.
فوهة بركان بسبب سلاح حزب الله
وبسؤاله عن كيف ترى لبنان 2020؟ علق المحلل السياسي اللبناني فادي عاكوم، قائلا لـ"العين الإخبارية": "إن لبنان لن يشهد هدوءا بل سيكون في دوامة وعلى فوهة بركان قد يؤدي لانفجار كبير"، بحسب تقديره.
وأردف: "لبنان سيشهد المزيد من الضغوط والتوتر السياسي الداخلي بسبب سلاح حزب الله".
وبشأن مصير الانتفاضة الشعبية، قال المحلل السياسي، إنها ستتحول في أغلبها لمطالب فئوية واسعة، إضافة إلى نزول بعض الأحزاب إلى الشارع في مواجهة السلطة، بما يصعد من النبرات الطائفية بالشارع.
وأكد أن إجراء انتخابات نيابية في العام الجديد مسألة صعبة ومعقدة، لأن حزب الله وحلفاءه الذين يمتلكون الأكثرية النيابية سيرفضون إجراء الانتخابات، لسيطرتهم على المجلس النيابي.
دور إسرائيل
وتباينت مواقف هؤلاء الخبراء بشأن شن إسرائيل عدوانا محتملا على الأراضي اللبنانية ضمن تطور الصراع (الأمريكي - الإسرائيلي) من جهة والإيراني من جهة أخرى في المنطقة.
واتفق الخبير السياسي محمد سعيد الرز مع رأي خالد ممتاز بأن العامل الإسرائيلي سيحضر بقوة في عام 2020 داخل المعادلة الداخلية، عبر شن تل أبيب عدوانا عسكريا على الأراضي اللبنانية، وهو الأمر الذي سيقلب حال حدوثه جميع الحسابات على الساحة اللبنانية.
وبخلاف ما ذهب إليه سابقوه، استبعد داغر دخول الولايات المتحدة في مواجهة عسكرية ضد إيران، لأن الإدارة الأمريكية منشغلة لانخراطها في انتخابات الولاية الثانية لدونالد ترامب، فضلا عن استمرار العقوبات الاقتصادية التي أثبتت فعالياتها المؤلمة على الاقتصاد الإيراني.
وتابع: "في المقابل فليس لدى طهران القدرة على الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع واشنطن إلا من خلال بعض المناوشات عبر أذرعها في العراق وسوريا".
كما شدد على عدم حدوث تصعيد عسكري على الساحة اللبنانية بين إسرائيل وحزب الله في المنظور القريب، حيث إن تل أبيب تتعامل مع الوضع اللبناني بكثير من الارتياح كون حزب الله منغمسا في أزمة داخلية تطاله بشكل مباشر.
وبرهن داغر أيضا بأن إسرائيل منذ سنوات تقوم بعمليات جوية تستهدف مواقع إيرانية داخل سوريا حتى الساعة لم نشهد أي رد عسكري إلا في أحيان قليلة.
غير أن الخبير الاستراتيجي لم يستبعد اندلاع حرب أخرى بين إسرائيل وحزب الله في حال شنت أذرع إيرانية ضربة عسكرية داخل إسرائيل، لكن بصورة عامة هذا السيناريو مستبعد.