من الجدير ذكره حصول انقسامات وتغييرات على التحالفات في هذه الانتخابات
إنها أول انتخابات بعد التحرير من تنظيم "داعش" الإرهابي الذي هيمن على ثلث العراق خلال رئاسة نوري المالكي القريب من نظام الملالي الإيراني، والمتهم بالسماح لداعش بالسيطرة على الموصل والتمدد بالعراق، فضلا عن إطلاقه قيادات التنظيم من السجون لا سيما سجن البصرة.
إن هذه الانتخابات تأتي بعد ثمانية أشهر من استفتاء "كردستان" لاستقلاله عن العراق، الذي زاد من التأزم بين الإقليم والمركز، لفي ظل أزمات تصدير الإقليم للنفط، ووارداته وحدوده ورواتب موظفيه والاختلاف حول محافظة (كركوك) وباقي المناطق المتنازع عليها من المادة 140 من الدستور العراقي.
كما أنه لأول مرة يستعمل التصويت والعد والفرز الإلكتروني، بسبب الاتهامات بالتزوير خلال نظام العد اليدوي في الانتخابات السابقة.
بعد 15 عاما من فشل الإسلام السياسي في الحكم وفساده الكبير وانحداره في النتائج في جانبيه السني والشيعي، ولم يعد الشعب العراقي يقبل التدخل الإيراني وأضراره ولا الإسلام السياسي وتبعيته، ورحّب بالمقابل بالانفتاح العربي على العراق وعودته إلى محيطه العربي الطبيعي
ومن الجدير ذكره حصول انقسامات وتغييرات على التحالفات في هذه الانتخابات، منها تفكك "البيت الشيعي" ودخول "حزب الدعوة" بقائمتي النصر برئاسة حيدر العبادي والقانون برئاسة نوري المالكي، ودخول الحشد الشعبي بقائمة الفتح، وخروج عمار الحكيم من المجلس وكتلة المواطن إلى تيار الحكمة، وتحالف "القرار العراقي" لأسامة النجيفي، وائتلاف الوطنية لإياد علاوي مع سليم الجبوري، إضافة إلى صالح المطلق، وفي الجانب الكردي تشكيل برهم صالح حزبا جديدا "الائتلاف من أجل الديمقراطية والعدالة"، وحزب التغيير بعد وفاة زعيمه "نوشيروان مصطفى" وتشكيل ائتلاف "نيتشمان" للأحزاب الثلاثة الكردية المعروفة بعد وفاة جلال طالباني رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني.
والملاحظ هو عزوف العدد الأكبر من عرب الجنوب والوسط (ما عدا كردستان، حيث شاركوا بنسبة تجاوزت التسعين بالمائة) معاقبة للإسلام السياسي الحاكم حيث ساد الفساد وضعفت الخدمات، لا سيما أتباع النظام الإيراني وفسادهم في العراق، حيث لم يشارك سوى ما يقرب من 20 إلى 25 بالمائة في الكثير من مناطق الوسط والجنوب، ما يعني أن النسبة العظمى للشعب لم تذهب للانتخابات أصلا، وهذه نسبة يمكن أن تسقط الشرعية عن الانتخابات في بعض دول العالم.
وكانت القوى السنية قد طلبت تأجيل الانتخابات، لأن الكثير منهم يعيشون في الخيم وليسوا في مدنهم ليتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم، وكذلك السماح للناخبين المشردين بالعودة إلى ديارهم حيث النسبة الأكبر من السنة، لكن لم يتم الاستجابة إلى كلا الطلبين.
ونتيجة الانتخابات تُظهر عدم وجود كتلة كبيرة تبلغ التسعين كما في الانتخابات في المرتين السابقتين، وحتى القوى الشيعية فلا توجد الكتلة الأكبر، ما يجعل الحاجة إلى التحالفات أكبر للوصول إلى 165 مقعدا- وهي نصف مقاعد البرلمان- في أول اجتماع للبرلمان لإكمال النصاب ضمن الزمن المحدد.
كان الدور الإيراني واضحا من خلال السفير الإيراني في العراق "إيرج مسجدي"، المنحدر من خلفية قيادات الحرس الثوري، وتحركاته وسفراته ولقاءاته، كذلك "علي أكبر ولايتي" مستشار المرشد، بتحركاته وتصريحاته فيمن لا يسمح له بالفوز في الانتخابات العراقية، واستنجاد قائمة "الفتح" للحشد الشعبي من منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله وكتائب الإمام علي وكتلة النجباء وغيرها، واستنجاد نوري المالكي أيضا بـ"قاسم سليماني" لنجدتهم بعد الانتخابات حتى نزلت قائمة دولة القانون إلى مستوى منحدر، بينما كانت المتصدرة في الانتخابات السابقة بـ94 مقعدا، وفعلا وصل سليماني إلى العراق وأتم اللقاءات والاجتماعات والتحركات المعهودة، لا سيما مع قائمتي الفتح والقانون، وكلها تدخلات إيرانية سافرة كانت تحكم العراق منذ سلمته أمريكا إلى إيران على طبق من فضة عام 2003.
لكن المعادلة في العراق تغيرت، فبعد 15 عاما من فشل الإسلام السياسي في الحكم وفساده الكبير وانحداره في النتائج في جانبيه السني والشيعي، عزف العراقيون عن الجميع ولم يعد الشعب يقبل التدخل الإيراني وأضراره ولا الإسلام السياسي وتبعيته، ورحّب بالمقابل بالانفتاح العربي على العراق وعودته إلى محيطه العربي الطبيعي.
كما أنّ السياسة الأمريكية تبدلت، حيث الرئيس الأمريكي ترامب يعتبر إيران مصدر الإرهاب والشر وقد ألغى الاتفاق النووي وهو يفرض العقوبات على النظام الإيراني وأتباعه، وضعف إيران من الداخل وتدهور أوضاعها الاقتصادية وانتفاض الشعب عليها، والعقوبات السعودية والخليجية على قيادات مليشيا حزب الله، وغيرها من العوامل أدّت إلى انطلاق الحشود الكبيرة العراقية بعد إعلان نتائج الانتخابات إلى ساحة التحرير في قلب بغداد لتردد بصوت عالٍ واحد "إيران برة برة، بغداد تبقى حرة".
إنها رسالة واضحة وصريحة من الشعب العراقي لإيران وأتباعها في العراق، لقد وصل صداه إلى المرشد والحرس الثوري وأتباعهما بأنه يكفي دماركما للعراق كل هذه السنوات العجاف، وأنّ العراق وعاصمته بغداد تبقى حرة مستقلة عن إيران ولا يسمح الشعب العراقي للنظام الإيراني بالعبث في العراق بعد الآن.
وهنا لا بد من تذكر قول كبيرهم: (ماذا تتوقعون من إيران وقد خاضت حربا شرسة لثماني سنوات مع العراق ولا يوجد بيت في إيران لا يحمل نياحة من العراق، حتى خرجت إيران من الحرب خاسرة بـ"جرعة السم" كما عبر الخميني نفسه).
حقاً إنه الحقد الإيراني الذي لا ينسى كل ذلك منذ التاريخ القديم وحتى يومنا الحاضر كما في كتابينا "إيران من الداخل" و"الإمبراطورية الفارسية صعود وسقوط". والحمد لله نشهد اليوم بوادر ضعف النظام الإيراني وانتفاضة الحركة الجماهيرية الكبيرة من الشعوب الإيرانية ضد ولاية الفقيه وظلمها وطغيانها كما عانت شعوب المنطقة من مليشياتهم وجرائمهم التي نتوقع أن يحاكموا عليها من المحاكم الدولية بإذن الله تعالى قريبا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة