البابا يُصلي في "الطاهرة" العراقية.. كنيسة أعادت الإمارات إعمارها
حازت كنيسة الطاهرة الكبرى في الموصل شرف استضافة بابا الفاتيكان، لمقابلة شعبها وتلاوة صلاة السلام الملائكي خلال زيارته التاريخية للعراق.
ومن المقرر أن تطأ قدما قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، العاصمة بغداد، الجمعة، في أول زيارة رسمية لحبر أعظم للعراق في تاريخ الفاتيكان، على أن تستمر حتى الإثنين 8 مارس.
الأماكن التي اختارها بابا الفاتيكان للصلاة خلال زيارته لثاني دولة عربية بعد الإمارات في عامين، هي "سيّدة النجاة" للسريان الكاثوليك في بغداد، و"الطاهرة الكبرى" للسريان الكاثوليك في الموصل.
أما الكاتدرائية التي ستشهد إقامة القداس الإلهي الضخم، يوم السبت 6 مارس، فهي "مار يوسف" للكلدان في العاصمة بغداد.
اختيار البابا لكنيسة الطاهرة الكبرى جاء لمكانتها كتراث ثقافي واعتبارها دليلا على تنوع مدينة الموصل واحتضانها للثقافات والديانات المختلفة على مر السنين.
وتعد "الطاهرة الكبرى" واحدة من الكنائس التي أعيد إعمارها بتمويل من دولة الإمارات، وتشرف على مشروع الإعمار منظمة اليونسكو.
إعادة إعمار الكنيسة
تعتبر كنيسة الطاهرة للسريان الكاثوليك في قره قوش التابعة لمدينة الموصل أكبر كنائس العراق وإحدى كبريات كنائس الشرق الأوسط سعة وهندسة وجمالاً.
لكن مسحلي تنظيم داعش الإرهابي فجروا هذه الكنيسة التاريخية في فبراير/شباط 2015، ما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة من أروقتها الداخلية وجدرانها الخارجية.
في أكتوبر 2019، أعلنت الإمارات ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) تجديد تعاونهما ضمن مبادرة المنظمة لاستعادة المواقع التراثية والثقافية بمدنية الموصل العراقية.
ومن خلال هذا المشروع، الذي يحمل شعار "إحياء روح الموصل"، أصبحت الإمارات أول دولة في العالم تعيد إعمار كنائس العراق.
الاتفاقية الموقعة بين الإمارات واليونسكو تأتي في إطار "عام التسامح" الذي أطلقته الإمارات شعاراً لعام 2019، ويؤكد قيمة التسامح كمفهوم عالمي ومشروع مؤسسي مستدام، بهدف إعلاء قيم التسامح والحوار والعيش المشترك والانفتاح على الآخر لدى مختلف الثقافات.
وتنص الاتفاقية على أن تقود الإمارات جهود إعادة إعمار المعالم التاريخية بمدينة الموصل، وإعادة بناء عدد من المواقع الثقافية المدمرة في المدينة، خاصة كنيستا الطاهرة والساعة.
وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة في الإمارات، نورة بنت محمد الكعبي، علقت على توقيع الاتفاقية، آنذاك، قائلة: "تجديد تعاوننا مع اليونسكو بتوقيع هذه الاتفاقية يمكننا من استكمال شراكتنا مع أشقائنا في العراق وأهالي مدينة الموصل العريقة؛ للمساعدة على إعادة بناء المواقع الثقافية والتراثية التي تجسد روح التعايش والتسامح في المجتمع".
وأضافت: "من خلال إعادة بناء جزء من تاريخ هذه المدينة العريقة نسهم في صياغة مستقبل أفضل وبناء مجتمع أكثر تسامحاً وانفتاحاً وهي القيم التي لطالما اتسمت بها الموصل طيلة تاريخها".
يعكس هذا المشروع رسالة وجهود الإمارات في نشر رسالة الأمل والانفتاح والاعتدال مقابل ثقافة التعصب والتطرف، وتمثل هذه المباني المدمرة شاهداً حياً على مدى وحشية الفكر المتطرف.
ويأتي هذا المشروع امتدادًا للاتفاقية التاريخية الموقعة في أبريل/نيسان 2018، إذ تعهدت الإمارات بتقديم بمبلغ 50.4 مليون دولار للمساهمة في إعادة بناء التراث الثقافي للموصل.
ويبدأ المشروع بترميم المعالم التاريخية وإعادة بنائها، لا سيما مسجد النوري التاريخي ومئذنة الحدباء التي يبلغ ارتفاعها 45 مترًا والتي تم بناؤها قبل أكثر من 840 عامًا.
بدء ترميم الكنيسة
أعلنت منظمة اليونسكو انطلاق أعمال ترميم كنيسة الطاهرة الكاثوليكية فعليا في عام 2020، بهدف سرعة استرجاع مدينة الموصل طابعها الحقيقي، الذي يعكس التعايش السلمي بين مختلف الديانات والمجموعات الإثنية.
وتمر عملية إعادة الإعمار بمراحل معقدة بعد تعرض كنيسة الطاهرة لعملية تدمير أجزاء كبيرة من أروقتها الداخلية وجدرانها الخارجية، ومن المقرر أن يقوم المقاولون المحليون تحت إشراف خبراء الآثار بإعادة ترميمها بمشاركة حرفيين في مجال التراث المحلي.
المرحلة الأولى من إعادة إعمار كنيسة الطاهرة شهدت إزالة الأنقاض والذخائر غير المنفجرة وتأمين موقع المشروع بشكل كامل، مع ترميم جزء منها.
في 11 فبراير 2021، توجّت كنيسة الطاهرة الكبرى بتمثال السيدة العذراء على برجها الذي هدمه التنظيم الإرهابي، بعد عمل أكثر من 4 أشهر نحته النحّات ثابت ميخائيل شابه بتق.
من المقرر أن تشهد باقي مراحل المشروع إعادة إعمار كنيسة الساعة، المعروفة أيضًا باسم كنيسة "سيدة الساعة"، التي تعد مثالًا حيا للأخوة بين أهل الموصل الذين تخرجوا في مؤسستها التعليمية بغض النظر عن خلفيتهم الدينية.
وتتضمن هذه الجهود بناء متحف ونصب تذكاري يعرض ويحفظ آثار وتاريخ المساجد والكنائس التي تم إعادة إعمارها، بالشراكة مع الحكومة العراقية وأهالي الموصل والمؤسسات التعليمية.
وسيكون للمتحف والنصب التذكاري تأثير طويل الأمد على مجتمع الموصل، إذ توفر هذه المشاريع فرص تدريب وعمل لأكثر من 1000 شاب من أهالي المدينة.
إلى جانب تطوير مهارات العاملين في تلك المشروعات من خلال فرص التعليم والتدريب، وكذلك المساهمة الكبيرة لهذه المشروعات في تنشيط الاقتصاد المحلي من خلال السياحة الثقافية في الموصل والعراق.
تاريخ عريق
"الطاهرة الكبرى" سميت بهذا الاسم ليس لضخامتها وسعتها فقط، بل نسبة إلى كنيسة الطاهرة القديمة المجاورة لها، وداخل جدرانها تجرى الاحتفالات والتجمعات الكبرى.
الكنيسة التي بدأ بناؤها خلال الحرب العالمية الثانية افتتحت في 7 أكتوبر عام 1947، بحضور سفير بابوي من الفاتيكان بعد 16 عاما من الإنشاء على يد الخديديين، وهي من أهم مراكز الكنيسة السريانية.
وتتألف من 3 فضاءات شاهقة أوسعها وأعلاها وأوسطها، وتضم قبة شاهقة تخترقها اثنتا عشرة نافذة. أما الفضاءات الداخلية الكبرى الثلاثة فترتكز على 18 عموداً رخامياً ضخماً تتلاقى في أقواس شاهقة رائعة.
منذ عام 1962 بدأ ترميم الكنيسة، وأضيف إليها روقة وهيكل داخلي وأبراج مجرسة، واستمرت الترميمات حتى عام 2005.
بينما تقع كنيسة الساعة، التي تعرف أيضاً باسم كنيسة "الدومنيكان"، في حي الساعة وتعتبر إحدى أشهر كنائس الموصل وواحدة من المعالم المميزة للمدينة.
ودمر الإرهابيون الكنيسة بالكامل، التي جرى بناؤها في عام 1866 بعد 6 سنوات من العمل، في 25 أبريل/نيسان 2016.
ورغم أن الكنيسة جرى تدشينها في 4 أغسطس/آب 1873، فإن برجها الشهير لم يكتمل حتى عام 1882، ويحتوي على ساعة نصب قُدمت هدية من زوجة الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث عرفانا بخدماتهم في المدينة.
aXA6IDE4LjE5MS45My4xOCA= جزيرة ام اند امز