الصورة الراهنة في إيران مرتبطة بحالة العجز الراهن في قطاعات الاقتصاد الإيراني، الذي يعاني من أزمة حقيقية مستمرة
رغم محاولات رموز النظام الإيراني التأكيد على أن المظاهرات التي عمت المدن الإيرانية مؤخرا لا ترتبط فعليا بحالة حراك سياسي واجتماعي كبير، إلا أن الواقع يشير إلى حالة من الفشل اللافت في التعامل مع المشهد بأكمله، وفي ظل قرارات متخبطة وتوجهات مرتبكة متعلقة باستمرار مراوغات النظام الإيراني، وعبثه في الإقليم وقصور في الرؤية، وعدم امتلاك رؤية حقيقية للتعامل مع حالة التأزم الاقتصادي الكبير الذي بات يضرب كل أركان الاقتصاد الإيراني.
لن تهدأ إيران ولن تتراجع المظاهرات وكل السيناريوهات واردة، وسيكون عنوان إيران وحتى إشعار آخر حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، في ظل نظام فاشل لا يريد أن يراجع مجمل سياساته الداخلية والإقليمية، ويتبنى منهج الرشادة السياسية المطلوبةلا شك أن الاقتصاد الإيراني لم يعد يصلح معه سياسات المسكنات التي يتعامل بها النظام الإيراني، ومحاولة القفز على حالة الفشل الراهن عبر مراجعة المجلس الاقتصادي الأعلى سلسلة قراراته المتعلقة برفع سعر البنزين تحديدا، وتسويق ذلك على أنه يأتي لصالح الطبقات الأكثر فقرا في الخريطة الاجتماعية الإيرانية، وهي التي تأثرت بقوة في إيران، وفي ظل وصول نسبة التضخم في إيران لأكثر من 40% حالياً، بينما يتوقع صندوق النقد الدولي بأن ينكمش الاقتصاد بنسبة 9% هذا العام، وأن تكون نسبة النمو معدومة (0%) في عام 2020، ولا علاقة لها بالإجراءات التي اتخذت من الولايات المتحدة، ووفقا لبرنامج العقوبات الذي تم تفعيله؛ إذ إن الواقع يشير إلى أن حالة الحراك الاجتماعي في إيران ستلقي بالقنابل الموقوتة في وجه النظام الإيراني، ولن تصلح معه إلقاء الاتهامات بين المرشد والرئيس ومراكز التأثير والنفوذ الكبيرة في بنية النظام السياسي بأكمله، خاصة أن الدولة بأكملها تعاني حالة من عدم الاستقرار، ورغم كل ما يشاع عن التماسك في مواجهة الولايات المتحدة، ومن الملاحظ أن مزيدا من الاحتجاجات الشعبية التي عمت طهران وشيراز وأصفهان وبهبهان وكرج والأهواز قزوين وقم وسنندج وشاهرود وغيرها، قد تذهب بالنظام إلى سياسات صفرية ليس فقط استخدام خيار العنف، خاصة أن سقوط قتلى في المظاهرات يعني أن النظام يفقد رشده، رغم كل ما يجري من محاولات إعلامية وسياسية بالتأكيد على أن النظام قوي ويتعامل وفق قواعد القانون مع المتظاهرين، وهو أمر محل تشكك حقيقي، خاصة أن النظام يدرك جيدا أن قواعد التكامل والاندماج المجتمعي في الداخل هش، وأن القضية ليست في تمدد الخريطة الاحتجاجية لتشمل مدنا ومناطق عربية إلى جنوب وشرق وجنوب غرب إيران.
فالصحيح أن الصورة الراهنة في إيران مرتبطة بحالة العجز الراهن في قطاعات الاقتصاد الإيراني، الذي يعاني أزمة حقيقية مستمرة، وهو ما انعكس على قطاعات متعددة، ولم يقتصر على شرائح الطبقة الدنيا وحواف الطبقة المتوسطة، خاصة أن الإجراءات التي اتخذت كانت غير صحيحة، ولم يستفد منها الاقتصاد الإيراني الذي يواجه تحديات حقيقية، ولن يستطيع التفاعل مع تداعياتها بصورة جيدة، بل بالعكس ستزداد الصورة سوءا، وستدفع بالمواطن الإيراني لمزيد من الإحباط واليأس جراء ما يجري، خاصة أن الرئيس الإيراني حسن روحاني حاول في ديسمبر 2018 زيادة أسعار الوقود لكن مجلس الشورى عرقل تبني القرار وقتها.
ومن ثم فإن ما يجري من حالة عدم استقرار مرشحة للتصاعد مرتبطة بمناخ عام يجري في الداخل الإيراني، ويحتاج بالفعل إلى معالجات جذرية لنظام بدت فيه مراكز القوى لافتة ومؤثرة، وتريد أن تستمر في موقعها بالقوة دون الالتفات لما يجري، وسيؤدي إلى تداعيات قد تعجل بتآكل استقرار النظام الإيراني بأكمله ودخوله في دائرة مفرغة، خاصة أنه يواجه خيارات صعبة على المستويات كافة، وهو ما يتطلب مراجعة سياساته ومنطلقاته ولكنه يكابر في تبني سياسات تدخلية، سواء في الإقليم وخارجه، إضافة لتمسكه بمساره النووي، وهو ما برز بقيامه بتركيب 56 جهازا للطرد المركزي، بل تكثيف عمليات تخصيب اليورانيوم؛ حيث وصل مخزونها الحالي من اليورانيوم المخصب ما يعادل 551 كلجم، في حين أن السقف المحدد في الاتفاق النووي المبرم مع القوى الدولية في 2015 هو 300 كلجم. كل ما سبق يعني في محصلته أن إيران عقدت العزم على الانتقال من مرحلة التهديد والإنذار للقوى الأوروبية للحفاظ على الاتفاق النووي إلى تبني خطوات انفرادية لفرض سياسة الأمر الواقع.
لن تهدأ إيران ولن تتراجع المظاهرات وكل السيناريوهات واردة، وسيكون عنوان إيران وحتى إشعار آخر حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، في ظل نظام فاشل لا يريد أن يراجع مجمل سياساته الداخلية والإقليمية، ويتبنى منهج الرشادة السياسية المطلوبة.
1
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة