ليالي رمضان في العراق.. طقوس خاصة للبحث عن "المحيبس"
مع إطلالة ليالي رمضان من كل عام وضمن تقليد ساد منذ عقود، تعيش لعبة "المحيبس"، الشهيرة مواسم انتعاشها.
ويتبارى المتنافسون من الفرق الشعبية والمحلية بحثاً عن "الخاتم" المتخفي في كفوف الخصماء.
وعلى مدار ذلك الشهر تتعالى صيحات "البات"، ومصطلحات أخرى بينها "طك"، "والعظمة"، التي يتداولها لاعبوها وهم يجوبون بأعينهم وفراستهم وجوه وأيدي الفريق المنافس للكشف عن مكان "المحيبس".
وكلمة "المحيبس"، مفردة شعبية عراقية تأتي تصغيراً لكلمة "محبس"، وهي في اللغة الفصحى (الخاتم)، الذي يعيش طوال ثلاثين يوماً نزيلاً متحركاً ما بين كف ويد وفريق وآخر.
ولشهر رمضان أجواؤه وطقوسه الخاصة في البلدان العربية والإسلامية التي تختلف وتتباين ما بين مكان ومنطقة، حيث غالباً ما يصاحب ذلك الشهر ممارسات وعادات تختص بتلك المناسبة.
وفي العراق تظهر تجليات ذلك الأمر، من خلال العديد من التقاليد والهوايات بينها اللعبة الشهير "المحيبس"، والتي غالباً ما يترافق معها إيقاعات موسيقية عرفت بين الأحياء الشعبية تسمى "الجالغي البغدادي"، يتبعها موائد الحلويات التي تكون متاحة أمام المتبارين بعد انتهاء التباري والتنافس على الظفر بالخاتم.
وللعبة الشعبية قواعد وضوابط متبعة ومعتاد عليها حيث يقوم الفريق الخصم بإخفاء "المحيبس"، عند أحد كفوف لاعبيه ليقوم بعدها شخص ينتدبه فرق الخصم للبحث عنه وإيجاده.
وعادة ما يتمتع ذلك الشخص بالمهارة والتجربة والخبرة الكبيرة التي تميزه عن أقرانه، حيث يتطلب منه أن يتمتع بمزايا الحدس والفراسة وقراءة المتغيرات في وجوه الخصوم بما يعزز من توقعاته بتعيين "المحيبس"، في أي "عظمة"، وهي تعبير عن الكف الواحد.
ومع مرور الزمن تطورت تلك الهواية الشعبية وشاع مريدوها حتى انعكس ذلك على كثرة الفرق المعنية بذلك الأمر بعد أن كانت حتى عقدين محصورة بمناطق معينة.
يقول اللاعب الأكثر شهرة في تلك اللعبة، جاسم الأسود، إن "الفرق كانت ما قبل 2003، لا تتعد الـ30 فريقاً ممن يعنون بالمحيبس وتنظيم البطولات إلا أن اليوم لدينا أكثر من 400 منتخب من مختلف مناطق العراق"، عازياً أسباب ذلك الانتشار إلى "تطبيقات السوشيال ميديا التي أسهمت في تعميم تلك الهواية وانتقالها إلى ممارسة ولعبة منظمة".
ويوضح الأسود، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "وزارة الشباب والرياضة ثبتت تلك اللعبة وتم تشكيل لجنة مركزية للمحيبس وقريباً سيتم الانتهاء من تدشين اتحاد خاص بها".
ويلفت الأسود، الذي يشغل رئيس اللجنة المركزية، إلى أن "هنالك بطولة رمضانية بدأت منذ الـ31 من الشهر الماضي على قاعة ملعب الشعب الدولي وتستمر حتى آخر أيام رمضان يشارك فيها 55 فريقاً من مختلف محافظات العراق".
وفي الوقت ذاته، يشير الأسود إلى أن "هنالك منافسات محلية تجري في العديد من المحافظات وخصوصاً للفرق التي لم يسمح لها بالمشاركة في البطولة المركزية بسبب عدم القدرة الاستيعابية لضم الجميع".
وعن تاريخ تلك اللعبة، يبين رئيس اللجنة المركزية، أنه "بحسب المسموعات المتوارثة عن الآباء والأجداد كانت تمارس منذ زمن العصر العباسي على الرغم من عدم وجود ما يوثق ذلك تاريخياً".
من جانبه، يقول عمار مجيد رئيس فريق الأعظمية، إن "المحيبس باتت اللعبة الثانية الأكثر جماهيرية بعد كرة القدم ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الحضور الذي يسجل خلال انطلاق تلك المباريات في شهر رمضان"، مشيراً إلى أن "هنالك بطولات دولية جرت في وقت ماض شاركت فيها دول إقليمية بينها لبنان وسوريا".
وعلى المستوى المحلي غالباً ما تكون بعض الفرق في صدارة المتنافسين، خلال كل موسم رمضاني وهي الكاظمية والطوبجي والأعظمية والفضل والكرادة في بغداد وكربلاء والنجف والبصرة، بحسب مجيد.
ويلفت رئيس فريق الأعظمية، إلى دور تاريخي مهم أسهمت فيه لعبة المحيبس بتحقيق السلام المجتمعي وإنهاء الاحتراب الأهلي الذي عاشته البلاد ما بعد عام 2006.
ويوضح مجيد لـ"العين الإخبارية"، أن "جسر الأئمة الذي يربط بين الكاظمية والأعظمية ببغداد، قد أعيد افتتاحه بعد إغلاق على إثر النزاع الطائفي بعدما أجريت على منصته منافسة للعبة المحيبس جمعت كلا الجانبين".
وتشكل الفراسة وفن التقاط الإشارات وتغير الملامح أهم نقاط القوة التي يرتكز عليها الباحث عن الخاتم ما بين أيدي الفريق الخصم.
ويشتهر العراق بأسماء لاعبين معروفين أمثال جاسم أسود وكريم الخطاط، وخالد عليوي، وسالمين، وصلاح أبو سيف، وعبد الله بروص وفاضل الكرادي وسالم النقاش.