معركة المومياء الحامل.. قائد الاكتشاف الأهم يرد بسلاح "البيضة في الحمض"
دقائق معدودة فصلت بين نشر فريق بحثي بولندي دراسة عن أول "مومياء حامل" في أبريل/نيسان 2021، وبين تحول هذا الاكتشاف إلى مادة تتناقلها وكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية ونشرات الأخبار.
لم يهنأ الفريق البحثي كثيراً بنشوة الفرحة التي خلقها هذا الاهتمام الكبير بالاكتشاف، فلم تمر سوى ساعات، وبدأ علماء مصريون يتحدثون عن أن هذا الاكتشاف ليس الأول من نوعه، ومنهم المديرة السابقة لمركز بحوث وصيانة الآثار وأستاذة الأنثروبولوجي، الدكتورة سامية الميرغني، والتي قالت إنه "تم الكشف قبل ذلك عن مومياء حامل في جبانات الأهرامات، لأم وجنينها توفيا في أثناء الولادة بسبب ضيق الحوض وتم تحنيط الجنين داخلها".
ومرت أشهر حتى فاجأتهم سحر سليم، الأستاذة بقسم الأشعة بكلية طب قصر العيني- جامعة القاهرة، والتي لها تاريخ طويل في فحص المومياوات بالأشعة، بالانتقاد الأهم، والذي حرصت على توثيقه في مقالة علمية نشرتها في عدد شهر يناير/كانون الثاني من الدورية نفسها، التي أعلن فيها الفريق البحثي البولندي اكتشافه.
قالت سليم في انتقادها: "إن الباحثين استندوا في التشخيص إلى المظهر الخارجي لكتلة الحوض التي تشبه جنيناً ملفوفاً، ولكن دون الكشف عن أي تكوين تشريحي أو عظام".
وأضافت أن "ما اعتقد الباحثون أنه جنين قد يكون عبوات حشوية أو مواد تحنيط مكثفة أو ورماً متكلساً في الحوض"، ودعتهم إلى إعادة إجراء التصوير المقطعي المحوسب للمومياء باستخدام البروتوكول المناسب الذي يشرف عليه اختصاصيو الأشعة المعنيون بفحص المومياوات.
واكتفى فويتشخ إجسموند، من معهد الثقافات المتوسطية والشرقية بالأكاديمية البولندية للعلوم، وقائد الفريق البحثي البولندي، في رده على الانتقادات الأولى، المتعلقة بأنه ليس الاكتشاف الأول، بالإشارة إلى تقرير نشرته إحدى المواقع الإلكترونية الأجنبية، تكفل خلاله عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي في منطقة الآثار بجنوب شبه جزيرة سيناء، بالرد على الانتقاد الأول.
وقال إجسموند: "ريحان أكد أن اكتشافنا هو الأول، وأشار إلى أن الاكتشاف الخاص بالعالم المصري الدكتور زاهي حواس الذي ذكره بعض الخبراء، كان لهيكل عظمي وليس مومياء، وفارق كبير بين الأثنين".
أما بالنسبة لما أثارته سليم، فقد لفت إجسموند الانتباه إلى أن العدد نفسه من دورية مجلة "العلوم الأثرية" الذي نشرت فيه سليم انتقاداتها للاكتشاف، كان يتضمن ردا على ما أثارته في انتقادها.
وزاد على ما جاء في مقال الرد، بالإشارة في تصريحاته لـ"العين الإخبارية" إلى تجربة يعرفها كل طلاب المدارس، وهي "وضع البيضة في وسط حمضي"، والتي حاول من خلالها تبسيط الحقائق والمعلومات التي وردت في مقال الرد.
وبينما ركز انتقاد سليم على عدم وجود أي تكوين تشريحي أو عظام يشير إلى وجود جنين، قال إجسموند: "الجنين المشار إليه يمكن تشبيهه بـ(المخلل)، واختفت عظامه وفق نظرية (وضع البيضة في وسط حمضي)".
واستطرد في شرح ما يعنيه قائلاً إن "الجنين بقي في الرحم ولم يمسه أحد وبدا، على سبيل المثال، وكأنه (مخلل)، وهي مقارنة ليست جمالية، ولكنها تنقل الفكرة".
ويوضح أنه مع "انخفاض درجة حموضة الدم في الجثث، بما في ذلك محتوى الرحم، بشكل ملحوظ، تصبح بيئة الرحم أكثر حمضية، وتزداد تركيزات الأمونيا وحمض الفورميك مع مرور الوقت، ويؤدي وضع الجسم وتعبئته بالنطرون (بيكروبنات الصوديوم) من أجل التحنيط، إلى الحد بشكل كبير من وصول الهواء والأكسجين، والنتيجة النهائية هي رحم محكم الإغلاق يحتوي على الجنين، مثل الإناء محكم الإغلاق الذي يحتوي على الخضروات المراد تخليلها، وأدى التحول من البيئة القلوية إلى البيئة الحمضية إلى تحلل جزئي لعظام الجنين، لاسيما أن تمعدن العظام يكون ضعيفًا جدًا خلال الثلثين الأولين من الحمل، ويتسارع لاحقًا".
ويضيف: "يمكن مقارنة عملية نزع المعادن من العظام في البيئة الحمضية بتجربة البيضة التي يعرفها أغلب طلاب المدارس، فعند وضع بيضة في إناء مليء بحمض، يذوب قشر البيض، ويتبقى فقط داخل البيضة (الزلال والصفار) والمعادن من قشر البيض المذابة في الحمض، ويحدث انحلال مماثل للعظام في البيئة الحمضية، ولا تحتوي الأجسام في هذه الحالة على عظام بسبب عملية مماثلة".
وخلص من ذلك إلى القول: "في حالتنا، كان لدينا عمليتا تحنيط مختلفتان، حيث كان الجنين في بيئة حمضية (تشبه المستنقع) جفت لاحقًا أثناء تحنيط الأم، وأثناء عملية التحنيط، غُطيت المرأة المتوفاة بمادة النطرون من أجل تجفيف الجسم، وهو ما أدى بعد ذلك إلى جفاف الرحم والجنين، لذلك حدثت عملية تحنيط أخرى، وهي تمعدن الجنين، وأثناء التجفيف، تترسب المعادن من العظام، وتذوب في الأنسجة الرخوة للجنين والرحم، ونتيجة لذلك، يوجد الجنين والرحم شديد التمعدن، وهذا هو السبب في أن لديهم قيمة عالية وفق مقياس هاونزفيلد (مقياس كمي في علم الأشعة يستخدم لوصف الكثافة الإشعاعية)".
واختتم رده المطول، بالقول إننا نتعلم من هذه الحالة، أن الأجنة في المومياوات قد لا تحتوي على عظام محفوظة جيداً، وبالتالي قد لا تكون مرئية في صور الأشعة السينية والتصوير المقطعي المحوسب، وهذا يختلف عن النظر إلى صور التصوير المقطعي للأطفال الذين ماتوا بعد وقت قصير من الولادة المبكرة أو الذين ولدوا متوفين، على سبيل المثال مثل أطفال توت عنخ آمون، حيث يمكنك رؤية العظام.
ويشير إلى أنه في حالة أطفال توت عنخ آمون، تم إجراء عملية حفظ الرفات بأكملها من خلال التحنيط المتعمد، أي تجفيف الأنسجة، بنفس الطريقة كما في المومياوات والبالغين، لذلك لا تختلف حالة حفظ هذه المومياوات وصورها المقطعية بشكل كبير عن المومياوات المصرية الأخرى، على الرغم من أن العظام في هذا الحالة أيضا تكون أقل تمعدنًا وأقل وضوحًا في بيانات الأشعة السينية مقارنة بالبالغين، وهذا شيء مختلف تماما عن حالة المومياء الحامل، حيث تذوب معظم عظام الجنين، لكن شكل الأنسجة الرخوة بقي موجودا، ومنه تم الاستدلال على وجود الجنين.
ويضيف: "أخصائيو الأشعة عندما يفحصون المومياوات، فإنهم عادة ما يبحثون عن عظام، ويظهر اكتشافنا أن من المهم دراسة شكل الأنسجة الرخوة في منطقة الحوض، فهناك احتمال كبير جدًا بوجود مومياوات لنساء حوامل في مجموعات المتاحف الأخرى، وربما لم يتم تحليلها بشكل كاف في هذا الجانب، وبالنظر إلى النتائج التي توصلنا إليها، فهي مسألة وقت فقط قبل اكتشاف المرأة الحامل التالية المحنطة".
وكان عمر المرأة الحامل موضوع الدراسة يتراوح بين 20 و30 عاماً، وكانت حاملا في أسبوعها الـ28 عندما توفيت، ويُعتقد أنها كانت عضواً في نخبة مدينة "طيبة" المصرية القديمة، حيث تم العثور على رفاتها في المقابر الملكية هناك، وكان جسدها محنطاً بعناية، ملفوفاً بالأقمشة، ومجهزاً بمجموعة غنية من التمائم.
وتم مسح الرفات ضمن مشروع "وارسو" للمومياوات، وهو جزء من حملة لتحديد الجنس والعمر وسبب وفاة المومياوات الموجودة في المتاحف والذي يهدف أيضاً إلى التحقيق فيما هو مخفي تحت ضمادات المومياوات.
وتم إطلاق هذا المشروع عام 2015، وتنتمي هذه المومياء إلى جامعة وارسو، وتم إحضارها إلى هناك في عام 1826 خلال أوقات الاكتشافات العظيمة في وادي الملوك.