كوريا الجنوبية بمفترق طرق.. هل تلتزم بالتحالف الثلاثي؟

بمفترق طرق تقف كوريا الجنوبية، ليس فقط من حيث الجغرافيا أو الأيديولوجيا، بل من حيث الهوية أيضًا.
ففي ظل حالة من عدم اليقين العالمي والتردد المحلي، يواجه الرئيس الكوري الجنوبي الجديد لي جاي ميونغ اختبارًا حاسمًا، بدءا من تجاوز اللفتات الرمزية إلى ترسيخ كوريا الجنوبية كركيزة أساسية في تحالف ثلاثي أعيد تشكيله يجمع سول مع واشنطن وطوكيو.
ويأتي انتخاب لي في ظل نظام عالمي متقلب يختبر صحة الافتراضات القديمة، لذلك لم يعد السؤال المطروح هو ما إذا كانت كوريا الجنوبية ستضطلع بدور أكبر في هيكل الأمن الدولي، وإنما أصبح السؤال هو كيف تفعل ذلك وبشروط من؟
الجواب
ووفقا لموقع "ذا ناشيونال إنترست" الأمريكي، فإن الجواب يكمن كما هو الحال دائمًا، في الفرق بين المواقف وبين ما تقول سول إنها تريده وما هي مستعدة بالفعل لدعمه.
وأتاحت قمة مجموعة السبع في كندا، وهي أول خطوة مهمة للي في الدبلوماسية العالمية، فرصة له لإعادة ترتيب أوراقه، حيث كان أمن الطاقة، وربط الذكاء الاصطناعي، والمرونة الاقتصادية في صدارة الاهتمامات في عالم لا يعتمد على الرمزية بل على التحالفات.
ولم يكن إلغاء القمة الأمريكية الكورية الجنوبية التي طال انتظارها، بسبب الرحيل المفاجئ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مجرد خلل في الجدول الزمني، بل كان بمثابة تذكير.
ففي الدبلوماسية كما في الردع، فإن التوقيت هو كل شيء وأحيانًا، يكون كل شيء خارج نطاق السيطرة.
لكن الأمر الأكثر دلالة من اللحظة الضائعة في قمة ترامب-لي هو ما حدث مع طوكيو، حيث كانت الاتفاقية الثنائية بمثابة إعلان نوايا، فلم تتم صياغة الدبلوماسية المكوكية، والشراكة البراغماتية، والتنسيق الثلاثي مع واشنطن كتنازلات، بل كخيارات.
وفي حين اختفى إيقاع سياسة التظلمات المألوف، حيث لم يعد هناك أي استدعاء للظلم الاستعماري أو مطالب باعتذارات بأثر رجعي، فقد حل محله التوافق، وإدراك مشترك للتهديدات، وفهم ضمني بأن جروحا لا يمكن أن تُغطي تكاليف الأمن في المستقبل.
ولطالما احتضن الحزب الديمقراطي، الذي ينتمي له لي، فصائل كانت تنظر إلى التحالف الثلاثي باعتباره موضع شك، ولذلك مثل اختيار الرئيس لمستشار أمن قومي مؤيد للتحالف ونائب ذي خبرة في العلاقات الأمريكية نقطة تحول واضحة.
لكن المؤسسات لا تتغير بين عشية وضحاها ومع وجود مديري تحالفات مخضرمين، يُدرك فريق السياسة الخارجية بقيادة لي المخاطر.
ومع ذلك، أحدثت ولاية ترامب الثانية اضطرابًا في النظام العالمي الحالي، وقد تتغير قواعد الاشتباك ومن المرجح أن تعود المطالب المتعلقة بالإنفاق الدفاعي، وتموضع القوات، والردع الموسع، وهذه المرة ستكون أصعب.
المهمة
وبالتالي، لن تكون مهمة لي إعادة بناء التحالف، بل هي تثبيته بهدوء وكفاءة، ودون استخدامه كواجهة للمسرح المحلي.
ويبدأ ذلك بإعادة تأكيد الالتزام بالمجموعة الاستشارية النووية، وإعادة إشراك واشنطن في أولويات منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وضمان حصول سول على الطمأنينة.
وبحسب المصدر نفسه، فقد كان قرار لي بتعليق البث عبر مكبرات الصوت على طول المنطقة منزوعة السلاح، والذي بدا ظاهريًا كبادرة لبناء الثقة مع كوريا الشمالية مقامرة.
ورغم أن القرار قد يكون سليمًا من الناحية التكتيكية، لكن المظاهر مهمة في بنية الردع، خاصةً عندما لا تشارك بيونغ يانغ نفس الرغبة في ضبط النفس.
وفي الوقت نفسه، فإن الشعب الكوري أيضًا يرسل إشارات فما يقرب من نصف الكوريين الجنوبيين يؤيدون استمرار التنسيق الثلاثي مع الولايات المتحدة واليابان، بغض النظر عن الحكومة.
وأخيرا فقد يكون الانقسام القديم بين اليسار واليمين في السياسة الخارجية الكورية الجنوبية آخذ في التلاشي، إن لم يكن يختفي.