حركة النهضة وانتخابات تونس 2019.. نهاية من؟
اللحظة في تونس الآن وقبل الانتخابات يمكن اختصارها في أن المعركة صارت واضحة بين الإخوان الإرهابيين والحداثيين أعداء "الإخونجية"
تنظيم الإخوان، كما عهدناه في العمل السياسي، يعتمد التقيّة والاختفاء والنفاق والتمويه والمغالطة والترغيب ثم الترهيب إذا لزم الأمر في محاولة منه للمرور وتمرير مرشحيه للانتخابات، بعد أن صار المجتمع يخشاهم ولا يثق بهم، لاسيما بعد أن تعرّوا تماما إثر ثورات سنة 2011 في عدة بلدان عربية.
الإخوان استولوا على السلطة في لحظة مباغتة وارتباك وتردد عاشتها مجتمعات بعينها. وبعد أن تغلغلوا في كثير من القطاعات، خاصة ذات الحساسية المفرطة في إدارة الشأن العام، تمسكوا بالسلطة بمنطق القوة والتصفية والتهديد وحتى الاغتيالات السياسية.
ولا يختلف الأمر في تونس التي تشهد انتخابات تشريعية يوم 6 أكتوبر 2019، وقبلها الانتخابات الرئاسية يوم 15 سبتمبر 2019 إثر وفاة رئيس الجمهورية محمد الباجي قايد السبسي.
حركة النهضة الإخوانية استعدت لهذه الانتخابات منذ سنوات، وعملت بمختلف السبل والوسائل على تجزئة العائلة الوسطية الديمقراطية الحداثية، وذلك عبر التحالف مع بعض الأحزاب السياسية، وبث الفتنة بين القيادات السياسية، وتشجيع عدة شخصيات على الترشح كمستقلين مع ضمان تمويلهم من إمكاناتها المادية الكبيرة الوافدة من الخارج.
والهدف النهائي لحركة النهضة هو "فرقعة" المشهد السياسي، والوصول إلى الانتخابات بمرشحين متعددين، يشتتون أصوات الناخبين المعارضين لها، مقابل احتفاظها بناخبيها الذين يكونون عادة منضبطين في تنفيذ أوامر قيادة الحركة أو "الأمير" مثلما يسمونه في السر. وهو ما يجعل البعض يطلق على ناخبي الإخوان "القطيع الانتخابي" الذي يقررون اتجاهه في الانتخابات يوم التصويت ذاته، حيث تخرج التعليمات فجرا من المساجد.
اللحظة في تونس الآن وقبل الانتخابات الرئاسية يمكن اختصارها في أن معركة انتخابات الرئاسية والتشريعية 2019 صارت واضحة تماما بين "النهضة" الإخوان المتطرفين الذين نزلوا إلى الساحة بترسانتهم البشرية المتطرفة مكسوة بالبدلات و"الكرافتات"، والحداثيين أعداء "الإخونجية" ممن بقوا أوفياء للدولة الوطنية المدنية ولمبادئ الفكر البورقيبي الانفتاحي.
أما جماعة بين بين، فلا محل لهم من الإعراب يوم الانتخاب. والباقي تفاصيل سنأتي عليها في إبانها ضمن مقالات لاحقة.
حركة النهضة، وبعد أخذ ورد ولف ودوران وضحك على ذقون السياسيين البلهاء، اختاروا نائب رئيس حركة النهضة عبدالفتاح مورو مرشحا لرئاسة الجمهورية، وهو الذي يشغل الآن خطة رئيس مجلس نواب الشعب بالنيابة، إثر تصعيد الرئيس السابق للمجلس محمد الناصر إلى رئاسة الجمهورية بعد الوفاة الفجائية لرئيس الجمهورية محمد الباجي قايد السبسي، وذلك وفق ما يقتضيه الدستور التونسي في مادة انتقال السلطة في حال الشغور.
عبدالفتاح مورو هو أخطر الإخوان؛ نظرا لما يؤمن به من أفكار رجعية خطيرة يحاول إخفاءها، وباعتباره المؤسس الأول لحركة الاتجاه الإسلامي قبل رئيسها راشد الغنوشي نفسه في بداية الثمانينيات.
المراقبون للمشهد السياسي في تونس، خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، يدعون علنا إلى عدم الاستهانة بمكر ودهاء الإخواني المتطرف عبدالفتاح مورو، فهو حربائي منافق حد الخيال، وثعلب يتمظهر بارتداء ثوب الديمقراطية والانفتاح، يتقن استدراج الأذكياء قبل البسطاء، ويجيد التلاعب بالرأي العام.
مورو يمثل خطرا حقيقيا على المسار الديمقراطي في تونس، خلال الانتخابات الرئاسية. وله من المواهب ما يجعله يضمن أصوات الناخبين قطيع النهضة، ليضيف إليهم من سيصدق أكاذيبه ومسرحياته الدرامية.
حركة النهضة، دفعت بمورو إلى الميدان وإلى صندوق الاقتراع، لتضرب به القيادي الإخواني المنشق عنها حمادي الجبالي بعد أن ترشح للرئاسة كمستقل. كما أن الحركة رشحت مورو ليتخلص منه نهائيا عدوه الصديق راشد الغنوشي إذا هو فشل في الرئاسية، ولتوجيه رسائل طمأنة إلى ديناصورات النهضة والإخوان بأن أصوات متطرفيهم لن تذهب لمرشح يغازلها منذ سنوات هو المنصف المرزوقي الحالم بالعودة إلى قصر قرطاج كرئيس منتخب لمدة 5 سنوات بعد أن أقام فيه كرئيس مؤقت.
عبدالفتاح مورو، محام وإخواني خطير، يعرف ماذا يفعل، وكيف يخرج من بين الثقوب. فهو صاحب نظرية "حاجتنا بأولادهم ونسائهم بعد عشر سنوات" حين كان يجادل الإخواني الإرهابي المصري وجدي غنيم الفار في تركيا من حكم قضائي مصري.
والأخطر من الجميع في هذه الانتخابات هي حركة النهضة. فقد تكون تخفي أوراقا انتخابية أخرى تحت حزام مورو، فينفجر سياسيا وحده حين يقومون بتفجيره رمزيا عن بعد، ليتخلصوا منه نهائيا، ويدعموا مرشحهم الحقيقي للرئاسة. هذا المرشح يسميه رئيس حركة النهضة "العصفور النادر".
العصفور النادر للإخوان يبدو حسب ما يتسرب من معلومات وما يتشكل من قراءات وتحليلات، هو حليف النهضة الدائم رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد. فحركة النهضة راضية تماما عن هذا الشخص الذي جاءت به الصدفة السياسية، وبقي على امتداد أكثر من 3 سنوات على رأس الحكومة ينفذ تعليمات الإخوان في التعيينات والاختيارات السياسية، إلى حد الانقلاب على من عينه رئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي وحزب نداء تونس الفائز بأغلبية أصوات البرلمان في انتخابات عام 2014.
حركة النهضة بقيادة رئيسها راشد الغنوشي قد تكون أخرجت عبدالفتاح مورو ككبش فداء خلال الانتخابات الرئاسية، لتعطي التعليمات لناخبيها في آخر لحظة بالتصويت إلى خادمها المطيع يوسف الشاهد. النهضة ستضرب عدة عصافير بحجر واحد.
أولا: تضمن نجاح مرشحها الخفي لرئاسة الجمهورية، لأنها تدرك استحالة وصول مرشحها الظاهر إلى قصر قرطاج بسبب ما يحمله الشعب التونسي من رفض للإخوان وكره لهم كقياديين لبلد يرنو إلى الحداثة. وهي تدرك أيضا أن خزانها الانتخابي لن يتجاوز 400 ألف ناخب في أحسن الحالات بعد أن كان مليونا و450 ألف ناخب في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011، ثم 950 ألف ناخب في الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2014، لينحدر إلى 450 ألف ناخب في الانتخابات المحلية البلدية في شهر مايو 2018.
ثانيا: تفاوض مع حزب يوسف الشاهد إذا نجح في انتخابات رئاسة الجمهورية بفضل ناخبيها (والاتفاق حاصل بينهم من سنوات)، ليمنحها أصوات نوابه عند انتخاب رئيس مجلس نواب الشعب. وهي المسؤولية التي يحلم بالوصول إليها راشد الغنوشي عبر انتخابات غير مباشرة من الشعب؛ لأنه لا يمر مباشرة حتى في انتخابات مجلس بلدي. الغنوشي يعلم جيدا أن أغلب الشعب التونسي يكرهه، وأنه لا يمكن للإخوان أن يتولوا في الوقت نفسه رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس نواب الشعب.
عين الغنوشي على الحصانة البرلمانية التي قد تحميه 5 سنوات من المحاسبة عن اتهامات له بالإرهاب وبإحداث جهاز تنظيمي للحركة متورط في الاغتيالات السياسية وغيرها للشهداء شكري بلعيد ومحمد البراهمي ولطفي نقض، وعشرات الجنود والحرس والأمنيين.
ثالثا: تهدئة خواطر الإخوان الإرهابيين الذين ضاقوا ذرعا بفساد قيادات حركة النهضة، في حين ما زال الآلاف منهم ينتظر تعويضات بالمليارات من الدولة التونسية لإسكاتهم بعد أن رفض الشعب السماح لحكومة الشاهد بتسليم هذه المبالغ المالية لهم باسم التعويضات ولكن في الحقيقة مقابل شراء أصواتهم في الانتخابات وفي الانضباط لقيادة راشد الغنوشي دون سواه.
رابعا: البحث عن مأمن من المحاسبة الجماعية بعد انتخابات 2019 إن هي فشلت ونجح معارضوها الذين سيحاسبونها على ما لحق البلاد من خراب اقتصادي واجتماعي كبير بعد سنة 2011.
قادم الأيام القليلة سيجيب عن بعض هذه الفرضيات، لاسيما وأن استطلاعات الرأي للناخبين تعطي الأسبقية لأعداء الإخوان، مقابل انحدار ملحوظ لحركة النهضة، وتراجع متواصل لعصفورها النادر رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد.
ويبقى السؤال الأهم: نهاية مَنْ بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس؟ هل هي نهاية ما يطلق عليه تيار الإسلام السياسي بالديمقراطية؟
aXA6IDE4LjIyMS42OC4xOTYg جزيرة ام اند امز