سير العلاقات بين الرئيس الأمريكي والكونجرس والمحكمة العليا يتسم بالديناميكية؛ حيث تتم إعادة التفاوض عليها دائما.
قرأتُ في الآونة الأخيرة كثيرا من الكتب حول مطلع تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية والسير الذاتية لرؤسائها، وكان يدفعني لذلك حجم النقد الكبير الذي توجهه بعض وسائل الإعلام الأمريكية إلى الرئيس دونالد ترامب، وهو كأي رئيس أمريكي آخر لديه مؤيدون ومعارضون.
ما أثار اهتمامي أثناء القراءة أنه لم يكن واضحا جدا ما هي الأمور التي يمكن للرؤساء الأمريكيين القيام بها، أو تلك التي لا يمكنهم فعلها؛ فهم يترأسون السلطة التنفيذية للحكومة متقاسمين بذلك السلطة مع الكونجرس والمحكمة العليا، حيث تعمل هذه السلطات الثلاث معا لأجل وضع نظامٍ للقوانين واللوائحِ والخططِ السياسية التي تسود في أي فترة من فترات الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية.
يبدو أن سير العلاقات بين الرئيس الأمريكي والكونجرس والمحكمة العليا يتسم بالديناميكية؛ حيث تتم إعادة التفاوض عليها دائما، فعندما يكون الرئيس ضعيفا يكون الكونجرس قويا، وعندما يأتي رئيس يتمتع بقوة العزيمة تأتي معه العديد من القضايا والتحديات
وكثيرا ما يُتهمُ الرئيس ترامب بأنه يتّبع منهجا متسلطا، ويتجاهل مطالب الكونجرس وكذلك المحاكم عندما يصدرون أحكاما تخالف سياساته.
في يناير 2017، أجريتُ مقابلة مع أحد برامج التلفزيون الأمريكي وسُئلت حينها عن الرئيس الجديد، حيث أجبتُ بالتعليق على تقسيم السلطة المنصوص عليه في الدستور الأمريكي، وأشرتُ إلى أن المؤسسات الموازية للسلطة التنفيذية ستنهض بمسؤولياتها وتؤدي الأدوار المنوطة بها في سن الضوابط والقيود.
من الناحية التاريخية، كان الرئيس جورج واشنطن أولَ وأشهر رئيس أمريكي، وكان يُنظر إليه أحيانا أنه يريد أن يصبح ملكا، فقد كان سلوكه الملكي ظاهرا للعيان، كان قليل التواصل مع الآخرين بهدف الحفاظ على هالته الرئاسية، وحيث إنه كان جنرالا سابقا في قيادة قوات الولايات ضد البريطانيين فقد سرت شائعات قوية أن لديه طموحات للحصول على السلطة المطلقة.
ولكن على أرض الواقع، كونه أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، فقد كان يتصنع تلك التصرفات في كل مكان، وكان يبتكر الوضعيات والمواقف والسلوك التي يمكن بل ينبغي أن يكون عليها الرؤساء من بعده.
وفي واقع الأمر، تم الثناء عليه لتخليه فورا عن سلطته العسكرية بمجرد انتهاء الحرب الثورية الأمريكية.
وفي الوقت الذي تولى فيه أندرو جاكسون مقاليد الرئاسة كانت معظم سلطات الحكومة متركزة في يد الكونجرس الأمريكي، ولم يكن جاكسون راضيا عن السلطات الأولية التي يتمتع بها منصب الرئاسة، فقام بمحاربة الكونجرس وأخذ منهم بعض سلطاتهم.
يبدو أن سير العلاقات بين الرئيس الأمريكي والكونجرس والمحكمة العليا يتسم بالديناميكية؛ حيث تتم إعادة التفاوض عليها دائما، فعندما يكون الرئيس ضعيفا يكون الكونجرس قويا، وعندما يأتي رئيس يتمتع بقوة العزيمة تأتي معه العديد من القضايا والتحديات القانونية لاستخدامه للسلطة وممارسته لها، وهذا ما يجعل قراءة الأحداث أمرا رائعا لمعرفة كيف تنمو سلطات المنصب الرئاسي تارة، ويتقلص دورها تارة أخرى وتتطور مع مرور الزمن.
نقلا عن "الرؤية" الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة