أردوغان يعيش مأزق من عزلة سياسية وأزمة اقتصادية متصاعدة وحالة تصادم مع أمريكا على خلفية منظومة الصواريخ الروسية S400.
ما يقوم به أردوغان من محاولات لتسييس وفاة "محمد مرسي" وإظهار نفسه بأنه مدافع عن الديمقراطية، وإعادة الحديث عن قضية "جمال خاشقجي" ومحاولة تدويلها وتصويره لنفسه على أنه مدافع عن الصحافة والصحفيين، لا يمكن أن يُنظر لذلك بعيدا عن السياسة التركية التي تتعامل مع الأزمات التي تعيشها باستراتيجية الهروب من الواقع من خلال تصدير هذه الأزمات الداخلية إلى الخارج ومحاولة خلق قضايا وهمية، وما تبني تركيا هذه الاستراتيجية إلا محاولة لصرف الأنظار عن الأزمات التي تعيشها بالحديث وتوجيه الرأي العام نحو قضايا أخرى.
إن أردوغان يعيش مأزقا من عزلة سياسية، وأزمة اقتصادية متصاعدة وحالة تصادم مع الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية منظومة الصواريخ الروسية S400، كما يواجه تهديدا بإخراج تركيا من "حلف الناتو"، ومن هنا ربما يمكن أن نجد أفضل وصف للحالة التي يعيشها أردوغان بأنه أصبح مثل "الدجاجة منتوفة الريش" يحاول التغطية على الأزمات التي تعيشها تركيا بسبب سياسته بالحديث عن قضايا أخرى ومحاولة تضخيمها.
يعيش أردوغان أسوأ أيامه، فعلى الصعيد الخارجي التركي لا يزال يحاول أن يتعامل بعقلية ما بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، عندما كانت تحظى بلاده بأهمية استراتيجية وكانت تنظر لها الولايات المتحدة على أنها أحد المفاتيح الاستراتيجية في المنطقة الممتدة من أوروبا وحتى القوقاز والبلقان والشرق الأوسط. لكن هذا المحاولات من قبل أردوغان اصطدمت بواقع العزلة السياسية المتصاعدة التي يعيشها وبخاصة من قبل الولايات المتحدة التي تسعى للتصعيد معه وتهدد بإخراج تركيا من قوات حلف الناتو، وهو ما يعكس أنه لم يدرك بعد تراجع تركيا في الاستراتيجية الأمريكية وبأن النظرة الأمريكية لأنقرة تغيرت.
هناك إدراك حقيقي من المقربين له بأنه يعيش أسوأ أيامه وأن سقوطه بات يلوح في الأفق، فبدأوا في التخلي عنه، وهو ما نلاحظه في رفض أحمد داوود أوغلو دعم مرشح أردوغان في الانتخابات المحلية، وهو الذي شغل منصب الرجل الثاني في حزب العدالة والتنمية
على الصعيد الداخلي، يعيش الاقتصاد التركي أسوأ مراحله، وبالتالي فإن أحد أهم المفاتيح التي كان أردوغان يتعامل بها مع الشعب التركي لتمكينه من الوصول إلى السلطة، هو اللعب على وتر الإنجازات الاقتصادية التي كان يتغنى بها في السابق، وقد انهارت، ولم يعد الشعب التركي راضياً أبداً عن الوضع الاقتصادي، كما أصبح الاقتصاد التركي يتأثر بالأوضاع الخارجية لا سيما من قرارات الولايات المتحدة، ناهيك عما ينتظر الاقتصاد التركي في ظل تصاعد حالة الصدام الأمريكي مع أنقرة والتهديد بفرض المزيد من العقوبات، ولذلك فإن الانهيار الحاصل في الاقتصاد التركي هو بكل تأكيد "انهيار لشرعية أردوغان" وهو ما يمكن ملاحظته في الانتخابات المحلية التي شكلت صفعة لأردوغان بالخسارة التي لحقت بحزب العدالة والتنمية في مدينة "إسطنبول" التي تعد مسقط رأس أردوغان، وهو ما يعكس الانهيار الحاصل في شعبيته.
إن قراءة قرار أردوغان بإعادة الانتخابات في إسطنبول أو مواصلة الانقلاب على الديمقراطية وإلغاء إرادة الشعب هي محاولة لإنقاذ شعبيته، لكنها في الحقيقة مرحلة جديدة من الصدام مع الشعب الذي يعيش حالة غليان متصاعد بسبب سياسة القمع المتواصلة التي ينتهجها أردوغان منذ مسرحية الانقلاب الفاشلة، "وبالتالي فهي لن تنقذ شعبية أردوغان بقدر ما ستؤدي إلى المزيد من الانهيار لشعبيته، وهو ما يمكن ملاحظته في نتائج إعادة انتخابات إسطنبول التي دفعت (للمرة الثانية) بمرشح المعارضة إلى "رئاسة بلدية إسطنبول"، وهذا سيكون له الكثير من التأثيرات حتى على الانتخابات الرئاسية المقبلة ، إذ أن هذا النجاح الثاني لمرشح المعارضة في " الانتخابات المحلية في مدينة إسطنبول، والذي جاء بفارق أصوات كبير تخطى الـ700 ألف صوت مقارنة بنتائج المرة الأولى التي كان فارق الأصوات فيها ضئيل جداً لا يتخطى الـ15 ألف صوت بين مرشح أردوغان ومرشح المعارضة.
أما على مستوى الدائرة المقربة من أردوغان ، نجد أن هناك إدراكا حقيقيا من المقربين له بأنه يعيش أسوأ أيامه، وأن سقوطه بات يلوح في الأفق، فبدأوا في التخلي عنه، وهو ما نلاحظه في رفض أحمد داوود أوغلوا دعم مرشح أردوغان في الانتخابات المحلية، وهو الذي شغل منصب الرجل الثاني في حزب العدالة والتنمية ويحظى بتأثير ويعتبر من الشخصيات النافذة في الحزب، وأيضا عبدالله غول الذي أعلن في العام 2001 عن تأسيس حزب العدالة والتنمية، والذي يسعى اليوم إلى تأسيس حزب جديد، وهو ما يعكس القناعة لدى دائرة المقربين والأصدقاء لأردوغان بأنه يسير نحو السقوط، وأن هذا السقوط لن يؤثر على أردوغان وحده، بل سوف يؤثر على مستقبل حزب العدالة والتنمية الذي تضاءلت شعبيته وأهميته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة