والدة الأسير الفلسطيني ضياء الأغا لـ"العين الإخبارية": لا عيدَ أمٍ لي
"العين الإخبارية" تزور أم الأسير الفلسطيني ضياء الأغا في يوم عيد الأم وتفتح ذكرياتها المؤلمة مع رحلة الحياة
لا وردة تمسكها بيدها اليوم، ولا تضيء شمعة، ولم تتقبل من أحدٍ أن يهديها ولو قطعة من الحلوى، كل ما تريده أن تسمع صوت ابنها الأسير ضياء الأغا، لكي تجدد الأمل في نفسها، وتفتح نوافذ الغد بعد كل هذه السنين المظلمة، ولأنها (أم الأسيرات) بات كل أسير فلسطيني له قصة معها، وأصبحت أكثر أمهات الأسرى شهرة، لمواصلتها درب الاعتصامات الأسبوعية أمام اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة غزة للتضامن مع قضية الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
ذهبت "العين الإخبارية" لزيارة أم الأسير ضياء الأغا في يوم عيد الأم، لتسمع منها وتنقل عنها ما يجول في خاطرها، ولتفتح ذكرياتها المؤلمة مع رحلة الحياة:
الأمل الذي تحول إلى موت غير معلن
بين صورتين للشهيد ياسر عرفات وابنها ضياء تجلس والدته من غير أن تنتظر وردة من أحد أو هدية من حبيب، بمناسبة عيد الأم، لأنها تنتظر حامل الوردة، ومقدم الهدية الذي غاب منذ 27 عاما، على أمل أن يصل، فتقول الحاجة أم ضياء لـ"العين الإخبارية":" ضياء هو أول فرحة لي من الأبناء، وربيته طفلاً لكي أراه شاباً ورجلاً وأفرح به، ولكنه كان يحب المقاومة، والنار في صدره تشتعل كلما رأى جنود الاحتلال يقتحمون المنازل، ويمرون بسياراتهم وأسلحتهم في الطرقات، فقذف عليهم الحجارة وعمره يومها 4 سنوات، وضرب من الجيش الإسرائيلي وهو ابن 7 سنوات، وتمت مطاردته وهو في العاشرة، ولكنه اعتقل وكان عمره 16 سنة، ومن يومها وأنا أبحث عنه في حياتي، لا أراه إلا نادراً بسبب المنع الإسرائيلي للزيارات، وعندما اعتقل شقيقه محمد، وصار الاثنان في المعتقل توسعت أحزاني، وتفتحت جروحي على كل نزف، لم أنزلهما للحظة من مخيلتي، وسائدي تشهد على دموعي قبل كل ليلة أنام فيها، حاربت من أجلهما وطرقت كل باب، ولم أترك مؤسسة دولية ولا عربية، ولا محلية إلا وطرقت بابها، لمساعدتي بزيارتهما والاطمئنان عليهما، وكدت أخسر حياتي أكثر من مرة، وأنا في صراعي مع الإسرائيليين، وبعد 16 سنة من الاعتقال المتواصل تم الإفراج عن محمد، وبقي ضياء خلف القضبان، لأن حكمه المتعسف يمنعه من أن يرى النور مدى الحياة، رغم حصول اتفاق بين الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يهودا أولمرت بالإفراج عن أسرى ما قبل اتفاقية أوسلو، إلا أن نتنياهو أفشل عملية الإفراج عن الدفعة الرابعة التي كانت مقررة، وكان ضياء من بين المفرج عنهم، يومها شعرت أنني قتلت، كنت أنتظره وحنيّت له يدايّ وجهزت سريره بالأغطية البيضاء، وعطرت البيت، وجلعت الورود تضحك على العتبات، ولكن خبر رفض الإفراج عن الدفعة ردني إلى موت غير معلن، لم أنم لأيام من البكاء، ولم أشعل لقلبي فرحاً وكأنّه اعتقل للتو واللحظة، فأي أم يأخذون من جسدها قلبها سترى الحياة مقبرة".
رسائل أم الأسير للأمهات الإسرائيليات
ولأنها فتحت صندوق أحزانها بعد أن فركت بصبرها قفله، أطلعت "العين الإخبارية" على رسالتها لأمهات إسرائيليات تقول لهن فيها "لأنني أم وتشوقت كثيراً إلى ولدي، وأنتن أمهات لو غاب واحد من أولادكن يوماً واحداً عن البيت لكنتن أكثر حزناً من الحزن نفسه، أذكركن أنني صبرت على غياب ولدي البكر 27 سنة متواصلة، اعتقل من قبل جيشكم وهو صبي، واليوم شاب رأسه وتجعد جلده، وقلبي تشظى عليه، ففي كل يوم أنتظر خبراً قد يأتي لكي أحضنه، وأشم رائحته، وأجمع عنه حرماني منه كل هذه السنين بقبلة واحدة، وبعدها ليأتي الموت، ولكنني أقاوم أمراضي وأنا أقترب من السبعين عاماً من أجله، لا أريد أن ينكسر بموتي وهو في عتمة سجونكم، قولوا لحكومتكم أن الصبي قد شاخ، وعمره اليوم اقترب من 45 سنة، ولم أفرح بعرسه، ولم أحمل له ولداً، ماذا لو كانت واحدة منكن مكاني؟! هل تصبرن؟! أطالبكن اليوم وفي عيد الأم الذي تحتفلن به، وتستقبلن هداياكن فيه، وتحتضن أولادكن، وتعشن كل هذه المشاعر الإنسانية النبيلة، ألا تنسين أُماً مثلي يحترق قلبها على ولدها في كل لحظة، لذا لن أحتفل بعيد أم لا ضياء فيه، ولن أشارككن الفرح لأن الفرح معتقل في سجون حكومتكم".
رغم ما فيها من ندوب وجروحها تثقل كاهلها تخرج الحاجة أم ضياء الأغا كل يوم إثنين لتشارك في الوقفة التضامنية مع الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، أمام مقر الصليب الأحمر الدولي في مدينة غزة، لترفع من الروح المعنوية لدى أمهات الأسرى وأهاليهم، وتردد شعارها الدائم (الحرية لأسرى الحرية)، لعلها تأكل ثمرة صبرها بحضن أخير تسلمه لابنها الأسير ضياء، وما بعد كل هذا العمر الذي قضته انتظاراً، إلا أن تقول " يا الله.. ارحم أُماً لوعّها شوق ابنها، وعذبّها غيابه".
الأم أم ضياء تقول للمرأة الفلسطينية ولكل أمهات العالم في يوم عيدها "لا تتركن ثانية بدون أن تقاسمن أولادكن الفرح، فهم الحياة كلها، كل عام وأنتن بخير".
aXA6IDUyLjE0LjI3LjEyMiA=
جزيرة ام اند امز